الدبلوماسيون...ذئاب شرسة بثوب غزلان وديعة !

يرجع أصل كلمة الدبلوماسية إلى كلمة (DIPLOMA )...و هي كلمة يونانية تعني الطي أو اللف...ثم أطلقت في العهد الروماني على كل ما يطوى من الأوراق الرسمية كتراخيص الخروج من الدولة أو ما يتعلق بالعبور داخل قطرها ، كما شاع استخدامها أيضا للدلالة على الوثائق الصادرة من الجهات العليا في الدولة....و أحببت من خلال هذه التدوينة أن أركز على شخص الدبلوماسي...ذالك المفاوض الذي يظهر ببدلات غاية في الأناقة تختار بدقة متناهية و ربطات عنق ذات دلالات معينة حسب المناسبة التي يظهر فيها هذا الدبلوماسي...يختار الدبلوماسيون عادة بناءا على شروط معينة و يشترط في الدبلوماسيات الجمال...إن لم نقل الفتنة ( لأسباب سأذكرها )...أما الرجال فلابد من قدر من الوسامة ، كما يشترط في الجنسين معا...مستوى علمي معين ،الذكاء ، التحكم في اللغات الأجنبية ، سعة الإطلاع و الثقافة الواسعة ، كما يختار لدخول المرحلة النهائية من الإمتحان الأشخاص الأكثر هدوءا و رصانة...يخضع الدبلوماسيون لتكوين خاص يدعمون فيه مكتسباتهم اللغوية...يتعلمون فيه أيضا البروتوكولات الواجب اتباعها خلال نشاطاتهم الرسمية مع نظرائهم الأجانب و كذا قواعد المجاملات ، كما يدرسون كل ما يتعلق بالقانون الدولي و السياسة الخارجية ، و الإقتصاد...
غير أنه ما يعاب على الدبلوماسي في اعتقادي هو أن إجرامه الخفي يمارس بحماية من الدولة التي تستقبله ( مراعاة لسياسة التعامل بالمثل ) أحيانا...و بمباركة من المجتمع الدولي الذي تعارف على هذه التقاليد البالية !!!
لنبدأ...تشكل مهنة الدبلوماسي النشاط الأكثر ملائمة لاختيار الجواسيس...الدبلوماسي جاسوس لا يشق له غبار ، و المعروف لدى الخاص و العام أن المقرات الدبلوماسية تعرف كل صغيرة و كبيرة عن البلد الذي تتواجد فيه ، كما أنها ترسل تقارير دورية تتضمن معلومات سرية عن هذا البلد...و لن يحتاج الأمر لرسائل مشفرة أو غيرها...لأن إتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية و التي أبرمت سنة 1961 نصت في مادتها الرابعة و العشرين على أن وثائق البعثات الدبلوماسية و محفوظاتها مصونة دائما أينما وجدت فالحقيبة الدبلوماسية ذات حرمة خاصة و لا تفتش أبدا عند دخولها أو خروجها و لا يجوز فتحها أو حجزها حسب المادة السابعة و العشرين من نفس الإتفاقية...و لا داعي للتسائل حول المصادر التي تؤمن للدبلوماسي معلومات دقيقة و مؤكدة من الدولة الأجنبية لأن هذا الدبلوماسي قد يكون عسكريا متمرسا...أو اقتصاديا محترفا ، و هؤلاء يعرفون الطريقة المناسبة التي تمكنهم من الحصول على ما يريدون !!!...و المتآمرون كثر...و هنا تظهر أهمية الدبلوماسية الحسناء! و الدبلوماسي الوسيم !
إن جريمة التجسس.... معاقب عليها في التشريعات العقابية الداخلية في الدولة ، ذالك أن الجاسوس هو شخص أجنبي...و قد يكون هذا الأجنبي دبلوماسيا كما سبق بيانه........كما لا يستبعد أن يقوم الدبلوماسي بالتآمر على مصالح بلده في دولة أجنبية و هنا تتشكل أركان الجريمة الثانية و هي الخيانة...الخائن بالنسبة لدولته الأم.......أما الجاسوس فبالنظر للدولة التي يضبط فيها.......
ما كنت أريد قوله من خلال هذه التدوينة القصيرة نسبيا هو أن الدبلوماسي ليس بنقاء و بياض قميصه دائما...و إن كنت قد تعمدت عدم ذكر تفاصيل جريمتي الخيانة و التجسس و أركان كل منهما فذالك راجع لاختلاف التشريعات العربية في ذالك... خاصة في الأفعال المكونة للركن المادي للجريمتين.....
و أخيرا.....لم أستطع مقاومة طرح السؤال التالي : هل تريد أن تكون دبلوماسيا ؟؟؟

قصة يوهان...فلسفة لص ( الجزء الخامس و الأخير )

بعد أشهر...أصبح يوهان مرافقا دائما للسيد ( ماكسيميليان )...و خلال هذه الفترة وجد يوهان صعوبة كبيرة في مقاومة رغبته بسرقته مع أنه كان يعلم علم اليقين بأن هذه المرحلة مهمة جدا في طمس معالم شخصيته الحقيقية...كان ينتظر إشارة معينة و هي أن يبدأ السيد ( ماكسيميليان ) بمعاملته كصديق...و قد كان يختبر هذا الشعور من خلال الغياب عنه لأيام...و لكن السيد الوقور لم يكن ليتنازل عن أرستوقراطيته و يسأل عن مرافقه المغمور !!!...غير أنه و في يوم ربيعي مشرق أخبر السيد ( ماكسيميليان ) يوهان بأنه يريد السفر لمدينة مجاورة...و سيقضي فيها بضعة أيام لعقد صفقة مع أحد كبار التجار فيها...كان يوهان ينتظر هذه الفرصة بفارغ الصبر ، سيكون على مقربة منه ، و سيقضي سهرات طوال على طاولة القمار...و مع بداية الرحلة تلقى يوهان مكافأة مالية من العجوز الغني...لقد مد يده لإمساك تلك الأوراق النقدية بطريقة غريبة...فبينما كانت يده اليسرى تسير ببطئ باتجاه يد السيد العجوز تذكر أول مرة سرق فيها مال أبيه...لعله أدرك الفرق بين المال النظيف الذي يتحصل عليه دون سطو...و المال الذي تعود على الإستيلاء عليه...لقد غمره شعور بالفرح و آخر بالذنب...شيء ما بداخله أخبره بأن باستطاعته أن يكون نظيفا...و لكن سرعان ما عاد للإعتقاد بأنه لن يكون إلا كما كان دوما...لقد قاوم الشعور الجديد حتى تلاشى...كانت الطريق طويلة...لقد وصلا إلى تلك المدينة الهادئة مع حلول الظلام و مع هذا أصر العجوز على الخروج من غرفته في الفندق...و الذهاب للعب ، كانت شهرته بأنه مقامر محترف قد جابت الآفاق...خرج السيد ( ماكسيميليان ) من الغرفة و تبعه يوهان...و لكن يده امتدت مرارا لجيوب من كانوا على الطاولة و حولها...و اختتم السهرة بسلب جزء من المال الذي كان السيد العجوز قد حصله تلك الليلة ، و قد اقتنع هذا الأخير في الصباح بأن من كانوا على الطاولة هم من سرقوه !...بعد أسبوعين عاد يوهان و السيد ( ماكسيميليان ) إلى المدينة ، و صار يوهان يغادر الطاولة بمجرد جلوس الشيخ الوقور عليها دفعا للشبهة ليعود مع نهاية كل سهرة لاصطحابه...و خلال تلك الفترة يقوم باقتناص ضحايا جدد داخل الملهى خاصة النساء اللواتي كن فريسة سهلة بالنسبة إليه...كان يساعد السيد العجوز على ركوب سيارته ثم يوصله للمنزل...و يختلس نصيبا وافرا مما تحصل عليه السيد العجوز خلال الليلة ، كان السيد ( ماكسيميليان ) لاعب ورق متمرس و لكنه و مع خبرته في اللعب كان خبيرا أيضا في إخفاء الورق في أماكن مختلفة من بدلته الأنيقة...و لم يكتشف أحد أمره خلال تلك السنوات...حتى يوهان لم يكن ليعرف ذالك...و في إحدى السهرات تمكن أحد المقامرين من ملاحظة حركة خاطفة من يد السيد (ماكسيميليان ) جذب فيها ورقة من أوراق اللعب من كمه...و قام بتحديه على الطاولة بأن لديه أوراقا يخفيها في كمه...و قد قام العجوز بجذب ورقة أخرى من الكم الآخر...غادر السيد العجوز السهرة مع بدايتها على غير العادة...كان السيد ( ماكسيميليان ) يعتقد بأن الأمر سينسى مع استيقاظ أولئك المقامرين السكارى في الصباح...و لكن سمعته كلاعب للقمار بدأت في الإضمحلال...و أصبح اللاعبون القدامى الذين لطالما جالسهم يتأففون من اللعب معه...و لم يجد سوى الخمر و النساء بديلا عن جلسات القمار...لم يكن السيد ( ماكسيميليان ) متزوجا في تلك الفترة...لقد طلق خمسة نساء خلال مراحل متقطعة من عمره...بينما توفيت واحدة في المخاض... ولم يحزن عليها طويلا... ثم بدأ في استقبال الغواني في منزله...كان يوهان يبيت معه في المنزل أحيانا...أما عندما يريد استقبال إحداهن فإنه يصرف يوهان بلباقة!!!
مع تقدم الرجل العجوز في السن أصبح لا يميز بين النساء...ثراء فاحش و نساء يردن المال...كان يستقبل كل من تدق بابه...و كانت الفاسقات من مختلف الأعمار و الطبقات يعرفنه... سواء كن شابات أو غير ذالك...و قد بلغت الوقاحة بإحدى الشابات بأن تهدد زوجها بإمضاء الليلة عند السيد ( ماكسيميليان) في حالة عدم تلبية طلبها !!!
و في إحدى الليالي و بعد أن تناول السيد ( ماكسيميليان) طعام العشاء صعد للطابق العلوي...و بعد ساعتين و بضع دقائق سمع يوهان صوت تكسر كأس زجاجي فأيقن بأن السيد العجوز قد بلغ ذروة سكره و بأنه سينام بعد لحظات...تمدد يوهان على الأريكة بغرفة الإستقبال في الطابق الأرضي...و هنا سمع طرقا على الباب...كان يعرف أن الطارق هو غانية من الغانيات...كان متعبا...و لقد تماطل في الإتجاه للباب لفتحه ظنا منه بأنها ستغادر...و لكنها واصلت الطرق بشكل أزعجه و هنا توجه للباب لفتحه...كانت الزائرة هي ( سنتيا ) !!!
و قد تعتقد عزيزي القارئ بأن ( سنتيا ) ستغادر المكان و هي ترتعد...أو أنها ستغادره و هي تبكي...و لكن هذا لم يحدث ، و بالمقابل و مع تحكم يوهان في تعابير وجهه كما أسلفنا...و لكنه لم يفلح هذه المرة من إخفاء صدمته...أسئلة كثيرة كانت تتزاحم داخل رأسه لتجد منفذا أو حلا على الأقل !!!منذ متى و ( سنتيا ) تخون والده ؟ ...لماذا ؟...لم يحب يوهان والده يوما و لكنه لم يتخيل بأنه سيقع في مثل هذا الموقف في يوم من الأيام...دفعت (سنتيا ) الباب بلطف...نزعت قفازيها... و طلبت من يوهان مناداة السيد ( ماكسيميليان )...أخبرها بأنه نائم...و لكنها لم تقتنع...الشيء الوحيد الذي لم يتغير في ( سنتيا ) مع تقدمها في السن هو أنها بقيت سليطة اللسان كما عرفها منذ طفولته!!! و مع حدة صوتها الذي يخيل لمن يسمعه بأنه يسمع احتكاك قطعتين من الزجاج السميك!!! نزل السيد العجوز بصعوبة...كان لا يقوى على حمل نفسه...و قبل وصوله إلى آخر السلم بادرته ( سنتيا ) و ساعدته على الصعود من جديد...و قبل دخولهما الغرفة نظرت إلى يوهان نظرة انتقام...و ابتسمت ابتسامة خبيثة تنم عن كره و حقد دفينين! و في تلك اللحظة قرر يوهان مغادرة منزل السيد (ماكسيميليان ) نهائيا...لقد شعر بالغيرة على والده...و قبل خروجه اقتنى كيسا كبيرا...حمل فيه ما خف وزنه و ثقل ثمنه مما رآه أمامه في الطابق الأرضي...نظر للمنزل نظرة أخيرة و مضى...، عاد يوهان لغرفته بقبو العمارة ، لم يجد للكيس مكانا فقام بوضعه في دورة المياه بعد أن أحكم إغلاقه!!!
كان يوهان قد ألف المشروبات الروحية خلال رفقته للسيد العجوز...و مع عودته للسرقة في الأسواق و المقابر كان يقضي ليله في الشرب...كان يقتني نفس المشروبات الفاخرة التي تعود عليها في الأيام الخوالي...مما جعل الكيس الذي سرقه ينفذ بعد أيام ...لقد باع كل ما فيه !!!
...مات السيد ( ماكسيميليان ) الذي لم يبحث عن يوهان أبدا منذ غادر منزله...و لعل ( سنتيا ) هي من أوغر صدره...و كنوع من الوفاء حضر يوهان مراسيم الجنازة...و سرق سيدين فيها...كان قد عرفهما خلال جلسات القمار...بل و سرقهما قبلا!!!
لقد تقدم يوهان بالسن...و أصبح شكله أشبه بشكل والده...لقد تحققت نبوءة ( سنتيا ) أخيرا !...أصبح يوهان مدمنا على الكحول و بدأت متاعبه الصحية تطفو على السطح...إنه الكبد...أصبح شعوره بالوحدة رفيقه الدائم...و في يوم من الأيام و أثناء تواجده في حديقة عامة لاحظ صبيا يلهو مع والده... كانت البراءة تشع من عيني الصبي... فتح يوهان ذراعيه للصبي صغير...تقدم الصبي من يوهان و لكن والده جذبه إليه في عنف...كان يوهان يتمنى أن يكون أبا أو زوجا على الأقل...و لكن !!!
و مع معاناته من مرض في كبده استمر يوهان في الشرب...إلى أن سقط يوما أمام مدخل العمارة...كان ذالك من حسن حظه على كل حال...لأنه لو مرض بغرفته المعزولة ما كان أحد ليتفطن لأمره...نقل للمستشفى...لقد أدرك أنها النهاية...و في ليلة مقمرة...شعر يوهان بساقيه و قد بردتا...كما شعر بوهن و عطش شديدين...مد يده إلى الجرس الذي كان خلف السرير و استدعى ممرضة المداومة الليلية...جاءت بخطى متثاقلة و كأنها تجر جملا خلفها! لقد طلب كوبا من الماء...و تمكنت يده التي مازالت رشيقة رغم الوهن الشديد من سرقة إسورة كانت بمعصم الممرضة...إنه يسرق و هو يموت !...شرب يوهان الكوب...و خرجت الممرضة..... قام بإخفاء الإسورة تحت وسادته...نظر يوهان نظرة طويلة للسقف و كأنه يودع هذا العالم...
و أخيرا مات يوهان...لقد أراح سطح الأرض من وزنه الخفيف..................................................................


قصة يوهان...فلسفة لص ( الجزء الرابع )

كانت الخطوة الأولى بالنسبة ليوهان الأصعب...عليه اختراق مجتمع جديد...مجتمع لم يألفه...و أصعب ما في الأمر هو اقتناع هذا المجتمع بأن يوهان واحد منهم ، و الغريب أن يوهان بقي محتفظا بإسمه...أفضل مكان لخلق صداقات مع حمقى الأغنياء هو الملاهي الليلية التي تختص بتنظيم ألعاب القمار...تلك الطاولات الخشبية التي تحمل فوقها الملايير في كل ليلة...قضى يوهان معظم يومه نائما...لم تكن عادته...و قد أخفق قرابة الساعتين و هو يحاول النوم دون جدوى...إستيقظ على الخامسة مساءا...لقد حان وقت العمل...ارتدى بدلته الجديدة...قميصه الأبيض الناصع البياض...لقد استعمل لأول مرة في حياته هلاما للشعر...لفد بدى وسيما بعض الشيء...كما أنه أحب شكله لأول مرة...بل و لم يلتفت حتى ليده المشلولة التي لطالما أشعرته بالتعاسة ، كان الملهى الليلي بعيدا عن المدينة التي يسكنها يوهان و لهذا كان مضطرا لأن يستقل سيارة للأجرة...و عند وصوله بحث عن مطعم قريب...يجب أن يكون المطعم خاصا بالطبقة التي كان يريد الإندماج فيها...ذالك النوع من المطاعم الهادئة و المملة و الذي يفوق عدد النادلات فيها عدد الزبائن!!! كان ذالك جزءا من الخطة... يريد أن يلاحظه أحد مرتادي الملهى في المطعم قبل دخوله للملهى...طلب طبقا زهيد القيمة و بقي ينتظر...إنها ساعات النهار الأخيرة...و مع أن يوهان سعى لأن يتصرف كشخص من طبقة راقية إلا أنه بقي محتفظا بذهنية الفقير المعدم...فقد كان يطلب أي شيء من أي نادل يمر أمامه كما كان يكرر الأسئلة التافهة نفسها مرات عديدة...بدأ المطعم يعج بالزبائن و لكن أحدا منهم لم يرق يوهان...كان يبحث عن هدف معين و كأنه يعرفه مسبقا...و لم تفلح إبتسامات الغانيات اللواتي كن متواجدات بقوة في التأثير عليه ... كان يبادلهن الإبتسامات بتحفظ كبير...و بعد مرور ساعة و نصف ظهر هناك رجل طويل القامة و قد أشعل السيب فروة رأسه...كان الوقار يبدوا عليه بوضوح...كما أن الثراء مفترض فيه لأن موضع اليد من العصا التي كان يستند عليها كان من الذهب الخالص...إن الوقار و الذكاء اللذان كانا يبدوان في شخص هذا المسن لا يجتمعان مع سلوك المقامر الغبي الذي قد ينفق كل ثروته في ليلة واحدة...و من هنا فقد اعتقد يوهان بأن الشيخ الوقور جاء للمطعم لتناول وجبة العشاء فقط...و سيعود لمنزله...و لن تطأ قدماه الملهى المجاور للمطعم...و مع هذا ظل يراقبه !
تناول الرجل المسن طبقا فاخرا من السمك...كان يأكل بهدوء شديد...و سرعان ما خفق قلب يوهان لما رأى ساعة العجوز الذهبية التي ظهرت فجأت من تحت قميصه...للحظة اعتقد يوهان بأن الخروج بساعة ثمينة اليوم ليس أمرا سيئا...و لكنه تراجع و استحظر الهدف الذي جاء من أجله...نهض العجوز الوقور من مقعده أخيرا...دفع الثمن و خرج...و هنا تبعه يوهان...لقد دخل الملهى فعلا ، كان على يوهان أن يدفع ورقة نقدية عالية القيمة للنادل المكلف بفتح الباب للزبائن...كنوع من التظاهر بالثراء...جلس العجوز أخيرا إلى طاولة كبيرة و قد اجتمع عليها أشخاص آخرون في مثل عمره تقريبا ، لقد سمع يوهان إسمه أخيرا إنه السيد ( ماكسيميليان )...يحتاج يوهان الآن إلى تقنية بارعة من تقنيات صناعة الصدفة... حركة خفيفة و لكنها مدروسة لا تدوم إلا بضع ثوان تكون كافية لخلق شيء من الثقة...و التي من خلالها سيدعو السيد ( ماكسيميليان ) يوهان للجلوس بجنبه إلى الطاولة ، بدأ السيد ( ماكسيميليان ) في اللعب و بقي يوهان يراقبه عن قرب و هو يبحث عن منفذ...كان يعلم علم اليقين بأن الوقت ليس في صالحه فقد بدأت الكؤوس في الدوران...و مع الوقت سيسكر السيد ( ماكسيميليان ) حتما و لن يتمكن يوهان من الدنو منه لأن أحد العاملين في الملهى سيوصله لسيارته التي ركنها بالجوار ثم يتمنى له ليلة هادئة !
و فجأة بدأ أحد الجالسين على الطاولة بالسعال...لقد انتظر يوهان هذه اللحظة طويلا...لقد أسرع إلى المكان الذي توزع منه المشروبات و أحظر كأسين من الماء البارد...و قدم بدوره الكأس الأول للعجوز الذي كان يعاني من نوبة سعال شديدة...ثم اقترب باحترام شديد من السيد ( ماكسيميليان )...و قال : هل تريد شيئا من الماء سيد ( ماكسيميليان ) ؟ و كرد فعل طبيعي تعجب العجوز من كون الشاب قد ناداه باسمه مع أنه لم يكن نادلا بالملهى...و لكنه أحجم عن سؤاله عن ذالك و رد قائلا : لا شكرا يا بني! ...و من حسن حظ يوهان أن نوبة العجوز تفاقمت مما اضطره إلى مغادرة الملهى و هنا قام السيد ( ماكسيميليان ) بدعوة يوهان إلى الجلوس مكانه قائلا : أتجيد اللعب يا بني ؟
فأجاب يوهان بالنفي و لكنه أردف قائلا : من دواعي سروري الجلوس بجانب السيد ( ماكسيميليان ) ...هذا شرف عظيم لي إن أنت تفضلت بمنحه إياي...
لقد أعجب العجوز بلباقة يوهان و ابتسم...كان السيد ( ماكسيميليان ) يغتنم فرصة توزيع أوراق اللعب لسؤال يوهان عن شيء ما يخصه...إدعى يوهان بأنه سمسار...كما زعم بأنه سمع عن السيد ( ماكسيميليان ) كثيرا من الأشخاص الذين يقصدونه عادة في إطار عمله...لقد أدرك يوهان بأنه قاب قوسين من الوصول لمبتغاه...و لذالك قاوم بصعوبة رغبته في سرقة بعض الذين كانوا جالسين مع السيد ( ماكسيميليان )...كانت الأشياء الصغيرة التي كانوا يحملونها ثمينة جدا...ولاعات سجائر...ساعات أيدي...خواتم ذهبية!!!
بعد سهرة طويلة...قرر السيد ( ماكسيميليان ) المغادرة...لقد أنفق الكثير...و شرب الكثير أيضا...حاول يوهان أن يظهر بأنه مرافق الرجل العجوز و لهذا لم يجد النادل ضرورة لمرافقته إلى باب السيارة...و عند وصوله سأله يوهان إن كان بإمكانه القيادة فأجاب السيد ( ماكسيميليان ) بأنه يستطيع القيادة حتى و هو نائم! و هنا ترجاه يوهان بأن يسمح له بقيادة السيارة و إيصاله لمنزله...و أمام هذا الإلحاح وافق السيد العجوز على ذالك...و تحقق ليوهان ما كان يريد في تلك السهرة التي شعر بأنها طويلة جدا... تعرف إلى رجل غني و هو بصدد توثيق علاقة صداقة معه...كما توصل لمعرفة عنوانه و هذا ما جعل يوهان يطير فرحا...
يتبع...دمتم بخير

قصة يوهان...فلسفة لص ( الجزء الثالث )

...ماتت ( إيفا ) بعد خمس سنوات من المقاومة...كانت تحارب على أكثر من جبهة...المرض...الشيخوخة...الفقر... ، لم يكن ليوهان شيء يبقى من أجله في ذالك المنزل...غادره و بقي متنقلا من مكان لآخر فتارة يقضي ليلته في محطة القطار...و تارة يقضيها في قبو عمارة من العمارات التي كان يعرفها...لقد كان يوهان يكبر بسرعة...لم يكن يسعى لذالك قطعا و لكنه حدث !...لقد أصبح شابا ، قام بكراء غرفة بقبو عمارة بثمن زهيد...أما مساحتها فلن أبالغ إذا قلت بأنها تكفي لنوم شخص واحد فقط متوسط الطول...لنومه فقط... هذا ما كان يحتاجه يوهان بعد يوم حافل بالسطو...
لم يكن يوهان رشيق اليدين و لم يتميز قط بخفة الحركة...و هي مميزات السارق الذي لا يشعر الضحية بعملية السرقة حتى إذا تمت و اختفى المجرم تفطنت الضحية...و لكن مع افتقاره لهذه الميزة فقد كان متحكما في تعابير وجهه بشكل يجعله يبدو عاديا جدا في مسرح الجريمة...لأن أصابع الريبة و الشك لا تصوب عادة نحو شخص مشلول الذراع...كما أنه في كثير من المرات التي يسرق فيها لا يتورع عن نصح الضحية و التخفيف عليه مع أن المسروقات لم تبارح جيبه الواسع...و حدث أن قام بسرقة ساعة من يد كهل و لما رأى فجيعته بساعته الثمينة قام بإخراج ساعة أخرى من جيبه كان قد اختلسها في وقت سابق و لم يبعها...و أهداها لذالك الكهل الذي اعتبر الموقف شهامة قل نظيرها !
كان له إحساس خاص تجاه من يسرقه ، ففي العادة يوسع السارق الضحية ضربا بعد سرقته ، كما قد يطعنه بسكين أو يطلق عليه عيارا ناريا ، و لكن يوهان لم يكن من ذالك النوع فقد كان يشعر بأن ضحيته هو بمثابة صديق أو عزيز و لهذا فهو يحتفظ بكل المسروقات التي لا يحتاج لبيعها في غرفته الحقيرة...و أحيانا ينساها داخل جيبه الواسع الذي مزقه من الداخل بشكل يجعل الشيء الذي يضعه فيه يتدحرج داخل المعطف دون أن يحدث صوتا ليستقر في أسفله...لما يلقي نظرة على مسروقاته يتذكر واقعة السرقة بشيء من الحنين ، يبيع منها ما يسد جوعه و يكفي لتسديد أجرة الغرفة...و ربما أهدى بعضها ، و قد حدث أن أهدى لفتاة أراد التودد إليها إسورة ذهبية...و شعرت الفتاة بأنها رأت الإسورة من قبل...كانت قد رأتها حقا في يد رفيقتها و لكنها لم تكن متأكدة من ذالك الشعور...و سرعان ما أنساها بريق الذهب مصدر الإسورة...فالذهب سحر دون السحر و سحره أشد تأثيرا في المرأة لأن رقتها تدفعها لحب كل ما يلمع أما الرجل فيميل للقيمة و تنقطع عواطفه تجاه الأشياء بمجرد بيعها ، و طبعا أخذت الفتاة الإسورة و لكن علاقتها بيوهان لم تدم طويلا لأن يوهان لم يكن يحب الوقوف على التفاصيل...كانت فقيرة معدمة مثله تماما...و لكنها تتصرف برومانسية...كانت رقتها و حرصها عليه أمراغير مألوف بالنسبة إليه ، فبعد وفاة ( إيفا ) لم يسأل أحد قط على صحته...عن سر انتفاخ عينيه عند كل صباح بسبب الرطوبة...لم يتعود على الرتابة في حياته و فجأة وجد فتاة تسأله عن الساعة التي ينام فيها...و وجبته المفضلة...كانت أسئلة سخيفة بالنسبة إليه و لكنه أجاب عليها على نحو ما في البداية...و لكنه أشفق على الفتاة...فقرر تركها لأنه لم يرد مصارحتها بمهنته...كان يتسائل دائما عن سر موافقتها المبدئية عليه...لم يكن وسيما جدا...كما أن شكله لا يوحي تماما بالثراء...كان يوهان بارعا في الحديث إلى الفتيات و لكن للكذب حدودا لا يمكن تجاوزها فإذا أسرف الكاذب في كذبه اكتشف أمره...أما إذا كان محترفا فإنه يستثمر واقعة كشف أمره ليحولها لمزحة...لقد كنت أمزح !!!...
يوهان محترف سرقة...مهنته و هوايته...حياته كلها...إنه يستغل أي تجمع بشري للقيام بها...كان يحب الجنائز جدا...يدخل المقبرة مع عائلة المتوفي و يخيل لمن يرى حزنه بأنه كان أعز أهل الميت للميت...و يوشك الحاضرون على تقديم العزاء له أولا...إنه يقف بينهم و في لحظة الدفن تمتد يده اليسرى للجيوب التي تطالها لحمل ما وجدت...كان يزور المقابر البعيدة عن مدينته...يدخل المقبرة و يقترب من قبر أحدهم...يتأمله مطولا...يتأثر لفقده مع أنه لا يعرفه البتة كما أن تاريخ الوفاة المدون على القبر لا يدع مجالا للشك بأن هذا الإنسان قد ألف الموت أكثر من الحياة...لأنه مات منذ عقود!...إنها الوحدة...تلك المتوحشة البريئة التي تدفع الإنسان لمخاطبة الأشياء...فقط ليتذكر بأنه إنسان ...و في ليلة من الليالي و بعد يوم شاق...استلقى يوهان على فراشه...إنه على وشك اتخاذ قرار مهم في حياته...لا تخافوا فهو لن يفكر في الزواج!!! لقد قرر أن يقوم بعمليات سرقة نوعية...لم يعرف هذا المصطلح و لكنه ببساطة تفكيره قرر أن يكسب أكثر في وقت أقل...لقد سئم سرقة الشيوخ...من الآن فصاعدا سيسرق أناسا آخرين...إنهم الأغنياء...لن يضطر لسماع عويل النساء البائسات عند تعرضهن للسرقة...كما لن يضطر لرؤية عيون الرجال الشاخصة بعد سرقتهم...تلك العيون التي توشك أن تخرج لولا أن قدر لها البقاء بداخل الرأس إلى أن تتبع الروح في خروجها لآخر مرة !
لم يتجنب يوهان الأغنياء خوفا منهم ، و لكن الفقراء أمثاله كانت الطبقة الوحيدة التي يعرف كل تفاصيلها...يعرف أين يضع الواحد منهم ماله قبل أن يقرر سرقته...يعرف كيف يخرج من بينهم بهدوء دون أن يشعروا به...أما الأغنياء فعالم آخر...كان يتمنى التعرف عليه...و للدخول لهذه الطبقة الجديدة لابد من تغيير بعض الأشياء و تعديل البعض الآخر...ملابسه العادية جدا لابد من تغييرها...أما مظهره الخارجي الذي لم يهتم به يوما فيجب عليه تعديله بما يتماشى مع مغامرته الجديدة...سينفق الكثير من المال...سيبيع الكثير من المسروقات التي احتفظ بها في المنزل لوقت طويل...إنه الإستثمار...
يتبع...دمتم بخير

قصة يوهان...فلسفة لص ( الجزء الثاني )

كانت تربية يوهان الأولى مزيجا بين الصدفة و اللامبالاة ، نادرا ما كانت حفاظاته تتغير...أما الرضاعة فمن حسن حظه أن صراخه كان يسمع من كل المباني المجاورة لذالك المنزل الكئيب...و لأن ( إيفا ) العجوز كانت رحيمة رقيقة القلب ذات خبرة بالحياة...أدركت بسهولة بأن ( سنتيا ) الزوجة الثانية لن تعطف على يوهان أو تظهر أدنى اهتمام به إلا ليلا...ذالك أن والده سيعود حتما...لقد كان سكيرا لا يعود للبيت إلى مع طلوع الفجر...يتسلق درج العمارة بصعوبة...كان يقتات من كراء دكان ورثه عن أبيه...لم يبدي يوما اهتماما بيوهان...تغذيته أو لباسه...بينما كانت العجوز ( إيفا ) تتفقده في فترات متقطعة ، لقد رأت ( إيفا ) في يوهان إبنا رزقت به في آخر عمرها فتعلقت به إلى حد بعيد...و كان اسمها أول ما نطق به يوهان...كانت خطواته الأولى أمامها...ثم إن منزلها هو أول منزل دخله يوهان لما خرج لأول مرة ، إنه الآن في الخامسة...تعلم من ( إيفا ) الكتابة و القراءة بصعوبة بالغة...إن الحروف الأبجدية هي كل رصيدها العلمي بعد تجاوزها للعقد السابع من العمر...
في سن السادسة أصيب يوهان بحمى شديدة...لقد قضى ليلة كاملة و هو يهذي و يتقلب على أرضية الغرفة الباردة...إنها أرضية من إسمنت و رطوبة الغرفة عالية جدا...كاد يموت...و لكن أنينه لم يصل لأذني ( إيفا )...في الصباح تفطنت ( سنتيا ) لسكونه ، كان في غرفته المعزولة أشبه ما يكون بميت...وجه شاحب مصفر...و تشنج غريب لذراعه اليمنى...حاولت إيقاظه...ولكنه لم يستيقظ...نادت ( إيفا ) التي قامت بنقله لمستشفى قريب...و لكن الوقت كان قد مضى...لقد شلت يد ( يوهان )اليمنى...
تساقطت السنوات كأوراق الخريف و أصبحت ( إيفا ) شبه عاجزة ، و هنا شعر يوهان بأنه أمام مسؤوليتين كبيرتين...كان عليه الإعتماد على نفسه من جهة ، و الإعتناء ب ( إيفا ) من جهة أخرى فهي أمه التي لم تلده...إنه الآن في التاسعة من العمر....أنه يعتبر أن والده مجرد قصة نسجتها ( إيفا ) لتكفل للوالد قدرا من الإحترام في ذهن يوهان...لم يكن يرى في والده سوى رجل يقدس الخمر...و يحدث الكثير من الضجة كلما دخل المنزل...كان يتمنى أن يلتقي بهذا الوالد مرة واحدة و هو متمتع بكافة ملكاته العقلية...ليحدثه...فقط ليحدثه...كان يتمنى أن يدفعه لدخول المدرسة كما يفعل الآباء...و لكن...، أما ( سنتيا ) فلم تكن أبدا شرسة مع يوهان ، ليس في عنقه جميل قدمته له و لكنها لم تؤذه بكلمة...كان وضعها أشبه بعامة الناس الذين نلتقي بهم صدفة داخل قطار أو حافلة...غريب عنها و غريبة عنه ، هذه هي المسافة التي كانت بينهما...لم يحقد عليها أبدا لأنها تزوجت بوالده فقد أصبحت مثله في هذه المرحلة...لقد أفل نجمها و أضيفت كقطعة جديدة لأثاث بيت قديم!!! فهي تنال اليوم نصيبها من الإهمال...
لقد مرضت ( إيفا )...و شعر يوهان بأن عليه مساعدتها هذه المرة...فلم يبقى في بيتها شيء يمكن بيعه...كانت ليلة شتوية باردة...و لكنها لم تكن ممطرة...و في ساعة متأخرة من الليل عاد الوالد المهمل الذي لم أتكلف عناء إيجاد إسم له في القصة...كان ثملا كعادته...و بعد أن خطى خطوتين ثقيلتين بنجاح هوى على كرسي هش بزاوية المنزل...لقد أصبحت ( سنتيا ) تنتقم منه بطريقتها الخاصة...في أول زواجها كانت تجر جثته إلى الغرفة ثم تلقيه على السرير و تنزع له حذائه...أما الآن فصارت تتركه في المكان الذي يسقط فيه...و لن تخرج حتى من فراشها الذي استغرق وقتا ليصبح دافئا لتلفه ببطانية...إنها تضحية لم ترى ( إيفا ) أنه يستحقها ! كان يستيقظ ليجد نفسه ملقى في دورة المياه أحيانا...و في أحد أركان البيت أحيانا أخرى...لقد سمعت ( سنتيا ) صوته هذه الليلة و هو يتمتم...ثم يضحك...فعادت للنوم ...و هنا تقدم يوهان من والده...و مد يده اليسرى لمعطفه العتيق لم يجد شيئا في الجيب الأول...و كذالك كان الأمر بالنسبة للجيوب الأخرى...لقد أنفق جميع ما معه في تلك الحانة اللعينة ، وهنا تذكر يوهان ركنا بالخزانة كان الوالد كثير التردد إليه قبل الخروج كل ليلة...إنه الدرج...و لكن المشكلة أن ( سنتيا ) نائمة بداخل الغرفة...سحب يوهان الكرسي من تحت والده فسقط هذا الأخير أرضا...صرخ يوهان...خرجت ( سنتيا ) من الغرفة...لم تفهم ما حدث بالضبط...كان الوالد على الأرض...يتلفظ بعبارات غير مفهومة...و كانت تنبعث منه رائحة خمر قوية...و هي رائحة لا تشجع عاقلا على الإقتراب منه ! دخل يوهان الغرفة بسرعة...فتح الدرج السفلي... و أرسل يده اليسرى الصغيرة بين الثياب الداكنة اللون...لقد وجد أوراقا نقدية...لم يعرف قيمتها و لكنه أخذها...أغلق الدرج...و هنا دخلت ( سنتيا ) إليه لتستفسر عما حدث...فأجابها بسذاجة متعمدة أن أباه سقط أرضا فصرخ...كانت أول مرة ينطق بكلمة ( أبي )...تعجبت ( سنتيا ) و ضحكت...ثم أغلقت الباب في وجه يوهان و هي تقول : عندما تكبر ستسقط كل يوم بهذا الشكل مثل والدك !
كان والد يوهان أول ضحاياه...و إن كان يوهان خائفا من اكتشاف أمره و هو يسرق إلا أنه لم يكن يشعر بالذنب لأن ( إيفا ) كانت والدته و عائلته كلها ، وهي اليوم تحتاج إلى دواء و إلى طبيب يشخص مرضها...لم يكن يوهان يعرف أن السرقة جريمة...لم يكن يعرف أنها رذيلة أخلاقية...كما لم يكن يعرف بأنها معصية دينية...لم يعرف معنى أي من هذه المصطلحات...لأنه لم يعرف من التربية سوى الطعام و اللباس ! لقد اعتقدت ( إيفا ) بأن والد يوهان هو من أعطاه المال...لقد أقنعها يوهان بذالك...كانت أول مرة يكذب عليها ، و لم يخطر ببالها بأنه سرق...لطالما كان يلبس ما يجود به المحسنون من عائلتها...أو ما تشتريه له بعد أن تدخر من معاش زوجها قسطا يكفي لشراء ملابس مستعملة...كما أنه لم يعاني الجوع يوما...لم يكن له دافع للسرقة لأنه تعود الفقر...أو بمفهوم أكثر لباقة...كان الفقر جزءا من قدره منذ ولد ، و حتى لو عرفت ( إيفا ) الحقيقة ما كانت موعظتها لتترك أثرا في نفس يوهان لأن ما قال ( فيري ) في شأن الجريمة ينطبق على يوهان أكثر من غيره (...بطون جائعة تستلزم حتما آذانا صماء...)...لقد كان فيري عملاقا في علم الإجرام و لكنه لو عرف يوهان لأحبه...لأنه ببساطة سيرى بأن نظريته تجسدت في إنسان حي من لحم و دم...لقد نجحت أول عملية سرقة قام بها يوهان...لقد زادت ثقته بنفسه إنه يكتشف عالم الجريمة...لقد أدرك أن بوسعه كسب الكثير...لأول مرة يخالجه شعور بالإمتنان لوالده و ل ( سنتيا ) فبفضلهما اكتشف بأنه موهوب ، لقد اعتقد الوالد بأن ( سنتيا ) هي من سرق المال و لكنه التزم الصمت...و فضل مفاجأتها و هي تسرق !
و بعد يومين من الحادث كانت العجوز ( إيفا ) قد علمت بأنها تعاني من فقر في الدم...بعدما نقلها يوهان لطبيب بالمنطقة و اشترى لها بعض الأدوية...
لقد نفذ المال و على يوهان اختيار ضحية أخرى!!!
يتبع...دمتم بخير