نريد سنة بخمسة فصول.... !!!

يهتم علم الإجرام بدراسة الأسباب التي دفعت بالمجرم للقيام بجريمته ، دون النظر إلى النتائج التي ترتبت عن القيام بها...فلا يهتم علم الإجرام بمتابعة الجاني و لا عقوبته بل يقوم بطرح سؤال واحد: ما الذي أدى بالجاني إلى إرتكاب فعلته؟
ومن بين النظريات التي جاء بها علم الإجرام ...نظرية تسمى القانون الحراري للجريمة ...
حيث يعتقد مؤسسوا هذه النظرية بأن حالة الطقس تؤثر في شخص المجرم فتدفعه إلى ارتكاب نوع معين من الجرائم دون الأنواع الأخرى حيث يعتقدون بأن الشخص الذي يعيش في مناطق باردة أو الذي يجد نفسه في جو بارد (خاصة في فصل الشتاء) ...يحتمل ارتكابه لجرائم الأموال كالسرقة و الإحتيال و النصب.....إلى غير ذالك
و السبب في رأيهم يرجع إلى أن من يعيش في مثل هذا الجو يحتاج إلى الكثير من الطعام...كما يحتاج إلى ملابس شتوية باهضة الثمن مما يحتم عليه اللجوء للسرقة إذا لم يجد مالا يكفيه لسد حاجاته !
أما من يسكنون في مناطق حارة ، أو من يجدون أنفسهم في جو حار(كفصل الصيف)...فيحتمل إرتكابهم لجرائم الأشخاص كالقتل و الضرب و الجرح ، لأن الحرارة الشديدة تزيد في انفعال الإنسان مما يجعله يثور لأتفه الأسباب...فيقوم بإيذاء من تشاجر معه ، و عن الجو المعتدل كما يكون عليه الحال عادة في فصل الربيع أو الخريف يقول أصحاب هذه النظرية أن الإنسان يميل لارتكاب جرائم العرض كالإغتصاب مثلا ، و ذالك لأن فصل الربيع هو فصل التكاثر بالنسبة لمعظم الكائنات الحية ، و بالتالي فإن الإنسان يجد فيه ميلا لممارسة الجنس...باعتبار أن الجو فيه يتسم بالرومانسية ، فيلجأ البعض لإشباع غرائزهم بطريقة غير مشروعة...و هناك نظرية روسية الأصل ابتكرت لمعرفة عدد الجرائم في منطقة معينة حيث يجمع متوسط درجة الحرارة لشهر معين مضروبا في سبعة مع درجة الرطوبة ثم يضرب الكل في إثنان.....و لكن هل هذا صحيح حقا؟
إن الإنسان يتأثر حتما بالمناخ الذي يعيش فيه من الناحية النفسية ، و لكن هذا لا يشكل دافعا للجريمة ، كما أنه من المستحيل التسليم بهذه النظرية...لأنه بالعودة إلى أرشيف الجرائم عبر التاريخ...سيجد أصحاب هذه النظرية أنفسهم عاجزين عن تفسير علاقة الجريمة بالمناخ ، و على سبيل المثال : لقد كان مونتاغ جون دروي و المعروف ب(جاك السفاح)...قاتلا محترفا و قد اتخذ من قتل المومسات هواية مفضلة... وكان ذالك في مدينة لندن ، و توفي هذا القاتل في سنة 1889
لقد كان هذا المجرم يرتكب جرائم القتل في كل أشهر السنة...فقد قتل في شهر أوت ماري نيكولا، ثم قام بقتل آني شايان و إيليزابيت ستريد في شهر سبتمبر، و في شهر نوفمبر قام بقتل ماري جون كيلي ، و في ديسمبر قتل أليس دوبي....فإذا حاولنا الإستناد للقانون الحراري للجريمة وجدناه لا يتناسب مع المعطيات المتوفرة حول هذا المجرم....فلو صحت هذه النظرية لكان جاك اكتفى بقتل ماري نيكولا،ولاغتصب كلا من آني شايان و إليزابيت ستريد بدلا من قتلهما باعتبار أن الجريمة وقعت في فصل الخريف ، ثم يقوم بسرقة آليس دوبي لأن الفصل الذي تمت فيه الجريمة كان بداية الشتاء ، و لكني أحب أن أشير عزيزي القارئ إلى أن هذه النظرية قد تصلح للمناقشة في طائفة الجرائم التي ترتبط ارتباطا وثيقا بنفسية المجرم كجريمة الإنتحار
فإذا كان المناخ فعلا سببا من أسباب الجريمة فعلينا التفكير بجدية في الرحيل إلى كوكب آخر غير كوكب الأرض...ربما وجدنا سنة بفصل خامس لا ترتكب فيه جرائم.
و أخيرا ألم تلاحظ عزيزي القارئ أن هناك وجها للشبه بين مونتاغ جون دروي و مدونتي؟؟؟
سأجنبك عناء البحث و أجيب: لقد كان جون يرتكب جرائمه في نهاية الأسبوع....و هو نفس التوقيت الذي أنشر فيه تدويناتي !!!

تبييض الأموال..............سفرة جريمة

كثيرا ما يردد الطباخون عبارة مفادها أن الإنسان يتذوق بعينيه قبل فمه، بمعنى أن جمال الطبق و تناسق و تنوع ألوانه يزيد في شهية من يراه قبل تناوله ...و إن كنت شخصيا لا أعتقد ذالك فكثيرا ما نرى أطباقا بألوان رائعة و في صحون فاخرة و لكن طعمها أقل بكثير مما كنا نتوقعه...
وجريمة تبييض الأموال على الرغم من اعتبارها من أخطر الجرائم ، وتصنيفها ضمن الجرائم المنظمة طبقا لاتفاقية الأمم المتحدة للجريمة المنظمة المعتمدة في 15 نوفمبر2002 ، إلا أنه قلما نسمع عن توجيه تهمة تبييض الأموال لأن من يقوم بهذه الجريمة عادة ما يكون تحت حماية أشخاص نافذين في السلطة ، كما أن إثبات هذه الجريمة يحتاج لإجراءات معقدة
بداية...تبييض الأموال باختصار هو استخدام أموال نتجت عن القيام بجريمة في مشاريع يسمح بها القانون...وهذا هو وجه الشبه بين هذه الجريمة و المثال الذي ذكرته آنفا ، فليس كل ما تستحسنه العين هو بالضرورة كذالك...فقد يعتقد مجتمع بأكمله أن شخصا ما رجل أعمال ناجح و عبقري إقتصاديا لأنه تمكن في مدة وجيزة من تشييد الكثير من المؤسسات وتقليص البطالة ...و لكنه في حقيقة الأمر تاجر مخدرات
وللقيام بجريمة تبييض الأموال على المجرم القيام بعدة عمليات يمكن تلخيصها في مرحلتين:
المرحلة الأولى هي تحويل الأموال التي نتجت عن الجريمة ( أموال تجارة المخدرات مثلا)، و يقوم المجرم بذالك من أجل التخلص من السيولة النقدية الكبيرة لأنه لو حاول وضعها في أي بنك سيكتشف أمره بسهولة عند بحث البنك عن مصدر هذه الثروة...كما أنه يريد إخفاء الجريمة الأولى نهائيا ( المتاجرة بالمخدرات)، و تكون عملية التحويل بأن يشتري المجرم بهذه الأموال عقارات أو لوحات زيتية باهضة الثمن أو بتحويل هذه الأموال إلى حسابات بنكية أخرى
أما المرحلة الثانية فهي تشتيت هذه الأموال بمعنى توزيعها على نشاطات تجارية مختلفة فينشأ هذا المجرم شركة إستيراد و تصدير و شركة للأشغال العمومية إلى غير ذالك .
إعلم عزيزي القارئ بأن الذين يقومون بتبييض الأموال هم أشخاص أذكياء جدا و مستعدين لتبييض أموالهم في أي مكان في العالم ...و حتى لا تكون ضحية هؤلاء المجرمين عليك بالنصيحة التالية :
...إن الذين يرسلون عن طريق البريد الإلكتروني رسائل تتضمن عبارات خادعة كعبارة: إضغط هنا وستحصل على؟؟؟؟؟دولار أو ما شابه...
هذه الرسائل ليست للإشهارفقط، بل قد تكون ورائها شبكة لتبييض الأموال، كما قد ترسل لك رسالة إلكترونية إلى بريدك تطلب منك فيها إرسال رقم حسابك البريدي أو البنكي لتستلم مبلغا ماليا ، وسأكون صريحا معك أكثر عزيزي القارئ ...قد تجد مبلغا ماليا في حسابك البريدي حقا ...
في هذه الحالة لا تسحبه و أبلغ الشرطة فورا بذالك قصد إخلاء مسؤوليتك ، لأنك لو سحبت المبلغ قد تحاول تلك الشبكة إبتزازك فيخيرونك بين التعامل معهم فتجعل حسابك مصبا لأموالهم القذرة أو أن يبلغوا الشرطة ، و في الحالة الثانية سيعتبرك القانون عضوا من الشبكة لأنك كنت تسحب أموالا لا تخصك ...فسيعتبرها القانون عمولة من الشبكة مقابل استخدام حسابك.
و في الأخير أرجوا ان لا أكون قد أزعجتك عزيزي القارئ بهذه الجريمة........و لا تنسى أن تسأل عن الطبق قبل تذوقه.......شهية طيبة

قصة المحامي و جبته السوداء...مقبلات بنكهة المحاماة

بداية أتوجه باعتذار لجميع القراء بسبب عدم تدويني الأسبوع الماضي ، وكان ذالك لظروف خاصة جدا فعذرا.
لقد عرفت اليونان قديما نظام المحاماة، وكان للمتهم الخيار إما أن يدافع عن نفسه أو يتولى أحد أقاربه أو أصدقائه ذالك ، و إما يلجأ لمحام محترف ...وكان المحامي آنذاك رجلا يجيد فن الخطابة وعلى دراية بقوانين المدينة التي يدافع فيها عن موكله، ومن أشهر المحامين في آثينا (ليزياس)...و قد عرض على الفيلسوف سقراط خدماته في الدفاع ، ولكن هذا الأخير رفض، وكانت مدة الدفاع تقاس بواسطة الساعة المائية، أما النظام الروماني فكان أول من حدد أتعاب المحامي ( في عهد الإمبراطور كلوديوس)، فقد كان المحامي قبل ذالك يعمل على سبيل التطوع وفي أحسن الأحوال يتلقى هدايا بسيطة.
أما جبة المحامي السوداء...فلها هي الأخرى قصة، حيث أن اختيار اللون الأسود كان في العهد الكنسي في أوروبا، و من حيث التصميم قد تلاحظ عزيزي القارئ أن هناك شريطا من القماش الأسود يتدلى على صدر المحامي وعند نهايته قطعة بيضاء، و شريطين بنفس التصميم تتدليان إلى ظهره فما سر ذالك؟
يعتقد البعض أن القطعتين الخلفيتين كانتا تستعملان كجيوب يضع فيها الزبون قطعا نقدية كهدية للمحامي الذي يجيد الدفاع ...
غير أن هذا مجرد افتراض، غير أن الأكيد أن لهذا التصميم علاقة بفلسفة المحاماة عموما ...فشريط القماش الأسود الذي ينتهي بقطعة بيضاء و يكون على صدر المحامي يرمز إلى الحقيقة التي توصل إليها المحامي بعد اطلاعه على ملف موكله...فالبياض يرمز للحقيقة
أما الشريطين اللذين يتدليان إلى منطقة الظهر فيرمزان إلى الحقائق التي لا يعرفها المحامي و التي على العدالة كشفها.
أما حاليا...فيعمل المحامي جاهدا لإقناع موكله بأنه على دراية بكل خيوط القضية، بل و يتوقع الحكم الذي سيصدره القاضي و كأنه من أهل مشورته...و لك عزيزي القارئ أن تصدر حكمك على هذا المحامي

الشاهد الإضطراري...عندما يهمل القانون الضحية الحقيقي

قبل أن نتكلم عن الشاهد الإضطراري أحببت أن أعلمك عزيزي القارئ بأننا جميعا كنا شهودا إضطراريين في يوم ما ...وما أتحدث عنه ليس حضورك في وقت حدوث جريمة ما ، ولكني أقصد جريمة بعينها وهي جريمة الفعل الفاضح العلني كما تسمى في بلدان المشرق العربي و جريمة الفعل العلني المخل بالحياء كما تسمى في بلدان المغرب العربي ، وتتحقق هذه الجريمة عندما يقوم شخص بفعل ينتج عنه منظر مخل بحياء من يشاهده من أهل المنطقة، كما تتحقق أيضا عند إصدار أصوات بشرية ذات دلالة جنسية ، ففي هذه الحالة يعتبر من يشاهد المنظر أو يسمع الأصوات شاهدا إضطراريا بمعنى أنه لم يسعى لمشاهدة المناظر الخليعة فقد فرضت عليه مشاهدتها فرضا
لكن ما أثار استغرابي أثناء دراسة هذه الجريمة هو أن القانون يجرم الفعل المكون لها لأنه أخل بالحياء العام للمجتمع...لحد الآن كل شيء رائع و منطقي ، أما غير المنطقي هو أنني لم أعثر على أي نص قانوني يمكن الضحية الحقيقي ( الشخص البسيط) الذي رأى المشهد من طلب التعويض باعتباره مضرورا من جريمة .
كقاعدة عامة يمكن لأي شخص حصل له ضرر من جريمة ما طلب تعويض مادي من جراء ذالك ...و قد يهاجمني أحد القضاة بقوله : لم يطلب أحد من ضحايا هذه الجريمة التعويض ولا يستطيع القاضي الحكم بما لم يطلبه الخصوم فهل يجوز للقاضي تقرير تعويض لم يطلبه المتضرر؟؟؟
أجيبه بالقول أن المواطن العربي البسيط لا يعرف القانون كما تعرفه سيدي القاضي ، لأن المعلومات التي يعرفها ليست إلى موادا تصادف و قرأ عنها فيما ينشر عادة في الجرائد...
هنا أصل إلى الحقيقة المرة و هي أن جريمة الفعل الفاضح العلني قد نظمت في مادة واحدة في أغلب التشريعات العربية إن لم أقل كلها ولا يوجد ضمن هذه المواد ماينص على الحق في المطالبة بالتعويض في حالة التضرر من هذه الجريمة و الضرر واقع لا محالة...
وأخيرا قد يتفضل شخص بالملاحظة التالية: وهي أن هذه الجريمة بسيطة فلماذا كل هذا التهويل ، وأضطر لإجابته بالقول بأنني أعتقد أن هذه الجريمة أخطر في نظري من جريمة القتل ، ذالك أن القتل ينتج عنه عادة خسارة شخص واحد أما جريمة الفعل الفاضح العلني أو الفعل العلني المخل بالحياء فمشاهدتها قد تؤدي إلى إفساد جيل كامل لأن من قد يرى الفعل قد يكون طفلا أو مراهقا ...فيختزن هذه الصور الفاحشة في ذاكرته لتظهر سمومها بعد سنوات .....فهل من مستمع؟؟؟