الدعاية الإعلامية للحرب...جريمة و صحفي سافل

دعونا نتذكر أن من أهم أسباب قيام الحرب العالمية الثانية كانت الدعاية المغرضة...تلك الدعاية التي شنتها الصحف لزرع الكراهية بين الشعوب...و قد نجحت الخطة لأن الكل أصبح ينتظر الحرب...و أصبح السؤال المتداول هو متى ؟ بدلا من لماذا؟ و كأن الأمر قد حسم فعلا...
إن الترويج الإعلامي للحرب جريمة دولية جرمتها المادة 20 من الإتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية و السياسية سنة 1966 ، و تقوم هاته الجريمة عند القيام بسلوك يتمثل في عمل إعلامي بحت يحمل في طياته دعوة للعداء بين الشعوب أو الطوائف أو مجموعات بشرية داخل الدولة الواحدة...و عادة ما تتم هذه العملية على مراحل بحيث لا يصل فيها الصحفي إلى درجة التحريض...فهو لا يقول مثلا:... إنتفض الشعب ( أ)...بل يقول : بعد إنتفاضة الشعبين ( ب ) و ( ج)...ماذا عن الدول المجاورة؟؟؟...يقصد ( أ )........هل سيكون النموذج....ملهما لباقي الشعوب العربية؟؟؟
لقد انبرت الكثير من الفضائيات اليوم لزرع الفتنة...و سقط قناع المصداقية الذي لطالما حاولت هذه الفضائيات إظهاره...فكانت كالعجوز التي تبالغ في وضع مساحيق التجميل... علها تفلح في إخفاء بعض من آثار الزمن على وجهها...لقد ظهرت الصورة الحقيقية لهذه القنوات...وجوه أشبه بوجوه الأمساخ ، أعترف انني كتبت هذه التدوينة بعد مشاهدتي لبرنامج من تقديم صحافيين عرب حاولوا بكل ما أوتو من قوة توريط دولهم من خلال توجيه اتهامات خطيرة لسلطاتهم فشعرت بالعار...تذكرت القائد النازي سوكيل الذي قال قبل إعدامه و بعد محاكمة نورنبورغ الشهيرة : (...حفظ الله ألمانيا...لتعود عظيمة كما كانت ) ...
و قد يقول قائل : كيف يمكن متابعة هؤلاء ؟؟؟
و أجيبه بقولي: ...لا أعتقد أن في الإمكان متابعتهم...فالقانون الدولي و إن كان مقننا إلا أنه مجرد ربطة عنق فيرأس متعفن إسمه السياسة...فكل متابعة بجريمة دولية لابد أن تكون تصفية لحسابات سياسية...و لو أن المجرم قبل بما عرضته عليه دول...لتمت التسوية دون ان يعرف المجتمع الدولي بالجريمة ، ثم إن الذين يقومون بهذه الجريمة بالذات عبارة عن أقلام مأجورة...و أصوات مأجورة...و من يستأجرهم يوفر لهم الحماية...حفظ الله بلداننا العربية من كل شر
رمضان كريم أتمناه لك عزيزي القارئ...أعاده الله علينا بالخير و اليمن و البركات

التكييف...هندسة الجريمة

...مع أني لم أكن جيدا في مادة الرياضيات في طفولتي إلا انني أعترف بأهميتها و إن كان إعترافا متأخرا بعض الشيء ، يعد تكييف الجريمة أهم مرحلة تمر عليها...و التكييف هو إعطاء الوصف المناسب للواقعة التي أخلت بسكينة المجتمع...فمثلا نكيف واقعة ملامسة شاب لفتاة داخل حافلة ملامسة غير بريئة بفعل علني مخل بالحياء...و نكيف واقعة وضع اليد في جيب شخص ما خلسة بمحاولة للسرقة...و هكذا، و باختصار هي وضع الواقعة في قالب من القوالب الجاهزة قي قانون العقوبات على أن يكون قالبا مناسبا...أي تعطى شكلا هندسيا معينا ، و تكمن صعوبة التكييف في أن الواقعة تكون مجرد حكاية يسردها الضحية في مكتب الشرطة...و الشاكي لا يعرف لغة القانون فيقوم برواية قصة طويلة دون التركيز على مكونات الجريمة فبدلا من أن يقول : سرقت إحدى دجاجاتي من طرف فلان...فإنه يقول : أعجب فلان بإحدى دجاجاتي لما أخبرته بأنها تنتج خمس بيضات كل يوم ، و في يوم اختفاء الدجاجة إلتقيت بفلان صباحا و توجهنا سويا للمقهى و عرض علي شراء الدجاجة و لكنني رفضت ثم تحدثنا عن حالة الطقس و تأثيره على المزروعات...، فمن كل هذه الوقائع المتداخلة علينا استخلاص الأركان المكونة للجريمة إن وجدت ، إن المسؤول الأول عن التكييف هو النيابة العامة باعتبارها ممثلة المجتمع...غير أن التكييف الذي تعطيه النيابة قد لا يكون صائبا في كل الأحوال و هنا جاز لقاضي التحقيق في القضايا التي تعرض عليه أن يعيد تكييفها بما يراه مناسبا مع الوقائع على أن يعلم النيابة بالتكييف الجديد ، و للنيابة ان تطعن في تكييفه الجديد...لتبدأ معركة الإجراءات بينهما...و لما يصل ملف القضية للمحاكمة قد يغير القاضي الذي سيفصل في القضية التكييف مرة أخرى و هنا قد يأخذ التكييف شكل المثلث برؤوس ثلاثة : النيابة العامة و قاضي التحقيق و قاضي الحكم .
إن تغيير التكييف الذي تعطيه النيابة العامة للجريمة حالة إستثنائية فغالبا ما تحتفظ الجريمة بالتكييف الذي أعطته لها النيابة...و قد يكون للفعل الواحد المرتكب عدة أوصاف هنا نكون أمام حالة تعدد الجرائم ...ولكل مشكلة حل في قانون العقوبات...كن بخير عزيزي القارئ

قاضي التحقيق و المخرج السينمائي....جناس كامل

بداية أتوجه بالشكر إلى كل من سأل عني خلال فترة غيابي...و الذي كان بسبب ظروف لم يكن لي قبل بدفعها...سأواصل التدوين بحول الله بالوتيرة التي كنت عليها سابقا...بمعدل تدوينة كل نهاية أسبوع...و لقد جاءت هذه التدوينة لإعلان عودتي...
قد يبدو ما سأكتبه غريبا بعض الشيءللوهلة الأولى و لكن ستتضح الفكرة شيئا فشيئا...فأول ما سيتبادر إلى ذهنك عزيزي القارئ هو العلاقة التي قد تربط قاضي التحقيق مع المخرج السينمائي؟؟؟ فالمخرج هو فنان يقرأ القصة بعمق يفهم أبعادها و يجسدها من خلال اختيار الممثلين و إعطاء كل منهم الدور الذي يناسبه ، أما قاضي التحقيق فدوره يكمن في التحقيق في جريمة ما للوصول إلى الحقيقة القضائية...من ارتكب الجريمة؟؟؟
و من بين أوجه التشابه التي يمكن استنتاجها من عمل كليهما أن كلا منهما ينبغي له أن يكون متفاعلا مع ما يتوصل إليه ، فالتفاعل الذي يكون بين المخرج و القصة هو الذي يساعد الممثل على فهم الدور فينعكس ذلك إيجابا على العمل...أما تفاعل قاضي التحقيق مع قضيته فيدفعه إلى استغلال كل دليل وقع بين يديه...بصمة...شعرة...خيط...أي دليل مهما كان حجمه يساعد في الإقتراب من هوية المجرم.
ثم إن كلا منهما لابد له من أن يكون واسع الخيال...فالمخرج يطير بخياله إلى زمان و مكان وقوع القصة...يحاكي بنايات المكان...سلوكات سكانه...عاداتهم...أسلوب حياتهم ، و سعة الخيال سمة من السمات التي على قاضي التحقيق الإتصاف بها ، و على هذا فمن الصلاحيات التي خولها القانون لقاضي التحقيق إجراء يسمى إعادة تمثيل الجريمة...حيث ينتقل قاضي التحقيق لمكان وقوع الجريمة رفقة المجرم و الشرطة و الشهود...و يطلب منهم إعادة تمثيل الجريمة...و إن كان الضحية ميتا طلب القاضي من أحد رجال الشرطة القيام بدوره...كل هذا ليجتمع المشهد كاملا في ذهن قاضي التحقيق...و أيضا لكي يتذكر من عايش الجريمة بعض تفاصيلها التي قد تنسى من هول المفاجئة.
و أضيف...إن المخرج الذكي هو من يسند دور البطولة للممثل المناسب الذي يتمتع بالخبرة و الكفاءة ، لأن الدور الأساسي في أي عمل هو من يحدد مصيره و لهذا فتوزيع الأدوار عملية صعبة بالنسبة إلى أي مخرج تقتضي معرفة كاملة بإمكانيات كل ممثل و خبرته...و لكن قاضي التحقيق لم يختر المجرم و لا الشهود و لا الضحايا...و هنا يظهر ذكاء قاضي التحقيق من خلال الإستجواب الأول لكل منهم ...فمن خلال اللقاء الأول بهم يدرك القاضي من منهم سيوصله إلى كبد الحقيقة...قد يكون المتهم نفسه...كما قد يكون أحد الشهود...و عليه أن يقوم باستجوابهم بكثير من الحيطة و الحذر و عليه أقول أن قاضي التحقيق و المخرج السينمائي كالجناس الكامل...فأمام اختلاف إسمهما و وظيفة كل منهما...إلا أن الصفات التي يجب أن تتوفر فيهما واحدة...بيد أن سعادة المخرج تكمن في أن يلقى عمله النجاح...أماسعادة قاضي التحقيق فهي في فك طلاسم الجريمة و الوصول للفاعل الحقيقي......دمتم بخير