و لقانون العقوبات قلب أيضا !!!

بداية أتشرف بأن أهدي هذه التدوينة المتواضعة إلى أختي الفاضلة و العزيزة...آمنة
من قال أن قانون العقوبات مظلم في جميع جوانبه؟؟؟... فقانون العقوبات يراعي عواطف ضحايا الجرائم...بل و يراعي عواطف المجرم نفسه و فيما يلي سأتطرق إلى بعض الأمثلة و لك عزيزي القارئ أن تحكم...
إن المجرم في جريمة القتل يستفيد من تخفيف العقوبة إذا كان زوجا و تفاجأ برؤية زوجته و هي تخونه ، على أن يحدث القتل في لحظة المفاجأة...و يستفيد من هذا العذر نظرا للشعور بالخيانة الذي يتملكه في تلك اللحظة ، ونفس العذر تستفيد منه الزوجة إذا كانت مكانه في نفس الموقف...ألم تراعى عاطفة المجرم هنا؟؟؟
أما الضحية فتراعى عاطفته في كثير من الأحيان فتشدد العقوبة ...و أبسط مثال على ذالك العامل الذي يقوم بسرقة رب العمل ، و كذا الخادم الذي يقوم بسرقة مخدومه...و تشدد العقوبة هنا مراعاة لشعور الضحية الذي يحس في هذه الحالة بأنه قد وضع ثقته فيمن لا يستحق...فكان تشديد العقوبة حماية من القانون لقيمة الوفاء...
و ليس قانون الأسرة هو الوحيد الذي يحرص على عدم تفكك الروابط الأسرية...فقانون العقوبات يشدد العقوبة إذا تعلق الأمر بضرب أو جرح أو قتل لأحد الأبوين...فإذا قام إبن عاق بضرب أبيه ، فسيكون شعور الأب حتما شعورا مريرا بالحسرة...فيراعي قانون العقوبات هذا الشعور و ينتقم للوالدين بتشديد العقوبة على الولد...
و من هنا يمكننا القول بأن قانون العقوبات ليس أقل حماية للعواطف النبيلة من غيره من القوانين...و للحديث صلة إن شاء الله

قاضي الحريات...سوبر مارتي !!!

قاضي الحريات هو قاض توكل إليه مهام خاصة...بيد أن مهامه هي في الأصل من مهام قاضي التحقيق ، أما تاريخيا فترجع بوادر ظهور قاضي الحريات إلى سنة ألف و تسع مئة و سبعين...أين قرر الفرنسييون التقليص من صلاحيات قاضي التحقيق خاصة فيما يتعلق بالحبس المؤقت الذي كان آنذاك بمثابة عمر طويل يقضيه المتهم في السجن قبل محاكمته ! ، و في سنة ألف و تسع مئة و خمسة و ثمانين صدر قانون خاص تقرر بموجبه إنشاء غرفة للتحقيق مشكلة من ثلاثة قضاة...مهمتها النظر في الحبس المؤقت للمتهمين فقط !!! ، و لكن هذا القانون لم يطبق...شأنه شأن الكثير من القوانين التي صدرت بعده في نفس الموضوع...
و في سنة ألف و تسع مئة و تسعين تشكلت لجنة خاصة ترأستها الأستاذة الجامعية ( ديلماس مارتي )...و قد تمخض عن الدراسات التي قامت بها هذه اللجنة إستحداث منصب قضائي جديد سمي بقاضي الحريات ، مهمته الأساسية تقرير ما إذا كان المتهم يستحق الوضع في الحبس المؤقت قبل محاكمته أم لا ؟؟؟...و هل يستحق المتهم الموضوع مسبقا في الحبس المؤقت الإفراج أم لا ؟؟؟ مبدئيا يبدوا مشروع قاضي الحريات مشروعا طموحا للوهلة الأولى ...و لكن !!!
من غير المنطقي تصحيح خطأ بارتكاب خطأ آخر...فالقضاء الفرنسي يعترف بوجود أخطاء في إسناد مهام معينة لقاضي التحقيق...و من هنا فعليه التفكير في حل منطقي لهذه المشكلة...كأن يقوم بإسناد هذه المهام للنيابة العامة مثلا !...و ليس عن طريق استحداث منصب قضائي جديد...فهذا أشبه بسياسة الهروب إلى الأمام !...ثم إنه من غير المنطقي أن يقوم قاضي التحقيق بتحقيق طويل و متعب من سماع لشهادة الشهود...إلى استجواب المتهم...إلى معاينة الأدلة...حتى إذا فرغ من التحقيق نقول له تنحى جانبا...فسيأتي قاضي الحريات ليقرر: هل هذا المتهم سيوضع في الحبس المؤقت أم لا !!!...مع العلم أن قاضي الحريات قد لا يعرف عن المتهم شيئا...بل يبحث فقط فيما إذا كان المتهم مستعدا للمثول أمام المحكمة يوم إستدعائه ام لا !!!
إن فكرة قاضي الحريات ذات بعد إنساني محض...و هي بعيدة نسبيا عن فلسفة التحقيق القضائي...الذي يتميز بجدية منقطعة النظير...
و رغم أن البطل الذي صنعته الأستاذة ( ديلماس مارتي ) قد لا ينجح في إنقاذ المجرمين من الحبس المؤقت...نظرا للإنتقادات اللاذعة التي يواجهها هذا النظام...إلا أن الأستاذة ( ديلماس مارتي ) علمتنا أن القوانين الإجرائية عموما مازالت تحتاج إلى تعديلات جذرية...


المجسمات النسائية...جريمة لا يرتكبها إلا تاجر وقح !!!

لقد انتشرت في العشرية الأخيرة في بلداننا العربية مجسمات نسائية بلاستيكية يحاكي شكلها شكل المرأة إلى أبعد الحدود...لون بشرتها...شعرها المستعار...طولها...عينيها...، و الأسوء أن هذه المجسمات أصبحت توضع على واجهات العرض الأمامية للمحلات التجارية و تلبس ملابسا خليعة...و بعض التجار الذين اتخذوا من الوقاحة رداءا لهم يستعملون هذه المجسمات لعرض الملابس الداخلية للمرأة ...، و قد نشرت بعض الجرائد العربية مقالات استنكرت من خلالها هذا السلوك...و قد قرأت بعضا منها في جرائد إماراتية و مغربية و جزائرية و سعودية ...غير أني لم أجد ذكرا لهذه المجسمات في قوانين العقوبات العربية ، باستثناء لائحة تنظيمية أصدرتها إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة سنة ألفين و ثمانية...وضعت فيها شروطا لاستخدام هذه المجسمات منها إزالة رأس المجسم و أن يكون غير مكتمل الملامح...و كان إصدار هذه اللائحة إستنادا إلى فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء بإمارة الشارقة...و قد يقول قائل : ما أنت هنا بمقام الواعظ الديني أو المصلح الإجتماعي !!!...كما أن مقدمتك المملة دليل على أن القانون لا يعاقب على عرض هذه المجسمات...و أجيبه بالقول : إن عرض هذه المجسمات بملابس خليعة يشكل في نظر قانون العقوبات جريمة معاقبا عليها...كما أن القانون الجزائي لم ينفصل عن المجتمع يوما...بل هو ملازم له...مراقب لكل جديد فيه...
إن هذا التاجر الوقح بعرضه لمجسمات نسائية مرتدية لملابس خليعة يكون قد ارتكب جريمة تسمى جريمة الإخلال بالأخلاق الحميدة...و هي جريمة موجودة في قانون العقوبات الفرنسي...الذي يعتبر مصدرا ماديا لمعظم قوانين العقوبات العربية...و تتحقق هذه الجريمة بعرض أو نشر أي مادة مهما كانت...يشكل عرضها أو نشرها إخلالا بالحياء...سواءا كانت صورة أو فيلما أو مجسما أو تمثالا...، و قد يتبادر إلى ذهن البعض السؤال التالي : مادام أن النص الذي يجرم هذا الفعل موجود في قوانين العقوبات العربية فلماذا كل هذا الإنفعال؟؟؟
المشكلة في اعتقادي تتمثل في أمرين اثنين :
الأمر الأول : هو أن المواد القانونية التي تتكلم عن جريمة الإخلال بالأخلاق الحميدة لم تتناول موضوع هذه المجسمات خاصة النسائية منها...أو على الأقل ذكرها و منع إستخدامها بصورة مسيئة...كأن تلبس هذه الدمى ملابس خليعة...
الأمر الثاني : هو أن الموضوع ذو بعد أخلاقي...لأن الحياء فطرة في الإنسان...فكيف لتاجر في بلاد عربية و إسلامية أن يعرض هذه الدمية بلباس خليع في واجهة محله التجاري؟؟؟
...و أخيرا...و قبل أن تكتحل عيوننا برؤية مادة قانونية في أي من قوانين العقوبات العربية...عليك أختي القارئة أن تكوني إيجابية...و تقاطعي مثل هذه المحلات التي يديرها...تجار جفت في وجوههم آخر قطرات الحياء