جنيف...سوريا...الحرب...دبلوماسية الكبار و أحلام الصغار !!!

...ليس من عادتي أن أكتب في السياسة ، و ربما لم تتعود علي عزيزي القارئ و أنا أكتب في هذا المجال...أتذكر جيدا و أنا مراهق كيف كان الحديث عن السياسة في بلدي أشبه بالحديث بالكفريات أو الميتافيزيقيا التي يعتبر الخوض فيها في ديننا الطريق الأقصر للكفر...كانت أوضاع بلدي سيئة للغاية...لم أكن أفهم الكثير...بل لم أكن أستوعب ما أسمع...كبرنا و كبر معنا حب الإستطلاع و الإكتشاف.....لنعد لموضوعنا...لم أكتب حتى الآن عن ما يدور في سوريا من جرائم...رغم أن مدونتي تعنى بذلك...كل الجرائم الدولية التي درستها تنطبق على الوضع في سوريا...و لكنني لا أحبذ البكاء على الأطلال لأن البكاء سيعطي الوقت الكافي للمعتدين ، و سيشعرهم بضعف الضحايا المعنوي...و الضحية في سوريا ليس السوريون فقط و إن كان هؤلاء هم من يتألمون بشكل مباشر....الضحية هو كل إنسان...أقصد البعد الروحي للكلمة...لا أميز فيها بين المسلم و المسيحي و اليهودي...و لابين الشيعي و السني و لا بين الرجل و المرأة...المشكلة في اعتقادي سياسية بحتة...أنا لست سوريا و بالتالي أفترض فيك عزيزي القارئ أن تكون أذكى من أن تعتبرني مواليا للنظام السوري أو المعارضة السورية أو غيرهما...!... أنا إنسان يعبر عما يراه و يلاحظه...فقط
الملاحظة الأولى هي أن أطراف الأزمة السوريين...غير جديين في البحث عن حل ، هذا ما جعل الفاعلين في مؤتمر جنيف يجدون المساحة الكافية للتلاعب بنتائجه...فعندما يرفض الإئتلاف السوري حضور إيران...و هي التي يعلم القاصي و الداني أنها متواجدة عسكريا في سوريا عن طريق حزب الله اللبناني و غيره....فهذا غباء ، النظام السوري نفسه و إن كان ممثلا بخيرة دبلوماسييه كوليد المعلم...ذو الخبرة الكبيرة و الباع الطويل في الدبلوماسية الخارجية...الذي يتفوه بما يريده من نتائج من المؤتمر...كمصير الرئيس السوري أعتبره بكل تواضع خطأ فادحا...لأنه نفر المعارضة من المؤتمر قبل بدايته...و الأجدى بطرفي الأزمة السورية  أن يتحلو بروح المسؤولية و يدركوا أن من يموت يوميا في سوريا هو سورييون و ليسوا من روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا...
الملاحظة الثانية هي أنني أعرف ككل متتبع لأخبار مؤتمر جنيف أن الملف السوري هو بمثابة الملف الأخير في علبة الأرشيف التي تحمل الكثير من الملفات العالقة بين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا الإتحادية...و الكل يلاحظ أن مع بداية مؤتمر جنيف التحركات الإقليمية التي لها علاقة إما بروسيا...أو إيران...مع بداية المؤتمر : إستيقظت فجأة بعد نوم خفيف الأزمة الأوكرانية و طفت على السطح  و المفاوضات حولها لها علاقة بمؤتمر جنيف لأن روسيا طرف فاعل فيه...و الولايات المتحدة ترغب في إقلاقها و انتزاع تنازلات مقابل تهدئة أوكرانيا ...الهدوء الذي تشهده اليمن و المؤتمر الذي انعقد...و الكل يعلم أن مثيري المشاكل في اليمن هم الحوثييون و يحسبون على إيران...الهدوء الذي عم فجأة الأنبار...و الكل كان يتوقع حربا طاحنة في العراق...الملف النووي الإيراني الذي ذكر فجأة و دفاع إيران عن حقها في تخصيب اليورانيوم...
الملاحظة الثالثة و الأخيرة هي أن الأزمة السورية كشفت عن دبلوماسيين كبار...شخصيا أنا معجب بالطريقة التي يدير بها وزير الخارجية الروسي الأزمة...لقد نجح في أكثر من مناسبة في تعطيل قرارات مجلس الأمن بشأن سوريا...كما ساهم بشكل بارز في تجنيب سوريا ضربة عسكرية أمريكية...بالمقابل شاهدنا دولا ضعيفة حاولت التطاول لكن صغر حجمها الدولي كاد يوردها المهالك فصمتت تجنبا للعواقب...تركيا مثلا حاولت مرارا أن تلعب دورا في الأزمة...و لكن ملفاتها الثقيلة حالت دون ذلك كملف إنضمامها للإتحاد الأوروبي...و تاريخها الأسود...و الكل يعلم...قطر التي حاولت...و لكنها أدركت أن أنها كانت مخطئة لما اعتقدت أنها غنية لدرجة يمكن بها شراء ذمم السياسيين الروسيين !...أما المملكة السعودية فهي التي سكتت دهرا ثم نطقت كفرا!!!
و في الأخير...أتألم حقا لرؤية إخوتي و أخواتي من السوريين الشرفاء يموتون كل يوم جوعا و تقتيلا...حلم الواحد منهم تمضية ليلة واحدة دون موت...دون جوع...بالمقابل يواصل بعض الإعلاميين السفلة سياسة التخوين...فما أصغر أحلام الضعفاء و ما أكبر أحلام الكبار...........................تحياتي