الجريمة الدرامية...عودة محمد بن أبي عامر المنصور !!!

بداية أستسمح قرائي الأعزاء في مسألتين هما طول التدوينة...و طريقة الكتابة التي تبدو أكاديمية شيئا ما !...و أنا لم أتعود على الكتابة بهذا الشكل في هذه المدونة المتواضعة...و لكن أعتقد أن في خطورة الموضوع عذرا لي...ثم إني تعمدت ذكر عمل درامي واحد كمثال مع أن الأمثلة كثيرة و لا تحتاج إلا لبعض الثقافة و الدراية بالتاريخ الإسلامي !
إن المتصفح لقوانين العقوبات و القوانين المكملة لها و هي التي وضعت كحصر للجرائم التي على الشخص تفاديها حتى لا يقع تحت طائلة العقوبة يلاحظ غيابا واضحا لنصوص قانونية تعنى بحماية الشخصيات التاريخية...ففي بلدي مثلا توجد نصوص عقابية مجرمة للأفعال التي تتضمن إهانة للأنبياء عليهم السلام أو لرموز الدولة بينما لا نجد إطلاقا ما يمنع من إهانة شخصيات أخرى لها وزنها في تاريخنا العربي و الإسلامي...و هنا أتسائل : ألا يستحق عظماء هذه الأمة نصا يحميهم من إهانة من يسمون أنفسهم بالمخرجين و المثقفين و كتاب الروايات الذين لا تتجاوز شهرة رواياتهم بلداننا العربية حتى و لو ترجمت هاته الأخيرة للغات أجنبية..!
تكمن خطورة الموضوع في اعتقادي في أن الكثير يعتمدون المسلسلات كمرجع تاريخي موثوق دون حاجة لمراجعة ما رأوه أو سمعوه فيها ، فهي في نظرهم نوع من المسلمات و من هؤلاء من يحسب على الطبقة المثقفة للأسف...كذلك الأطفال الصغار... هؤلاء الذين يزرع في قلوبهم كره شخصيات عظيمة لا لشيء سوى لأن المخرج لم يبذل جهدا في مراجعة النص الذي قام بإخراجه...أو تقصد النيل من هذه الشخصية...أما المثال الذي أرغب حقا في سرده هو مسلسل قديم حديث عرض لأول مرة منذ خمس أو ست سنوات ضمن سلسلة تضم ثلاث مسلسلات تروي جزءا من تاريخ الأندلس...إنه مسلسل ربيع قرطبة الذي تناول سيرة الحاجب محمد بن أبي عامر المنصور...ذلك الرجل الفذ الذي صوره المخرج على أنه مدمن للخمر و عاشق للسيدة صبح إحدى حرم الخليفة الحكم المستنصر بالله و لا نعرف لهذا المسلسل مصدرا تاريخيا لا صادقا و لا كاذبا...كما صور الحاجب المنصور أيضا على أنه رجل وصولي ظالم سفاك للدماء...و قد يتحجج المخرج بكون المستلزمات الدرامية تقضي بوجود قصة حب في هذا المسلسل التاريخي...و هنا أقول رب عذر أقبح من ذنب لأنه من الممكن تخيل قصة عاطفية وقعت في ذلك الزمان و في تلك الحقبة و لنا فيما روى لنا الفقيه ابن حزم الأندلسي في كتابه طوق الحمامة في الألفة و الألاف من القصص العاطفية التي وقعت أيام الأندلس ما يغني هذا المخرج عن تشويه صورة هذه الشخصية الفذة...فقد كان أميرا للمؤمنين على الحقيقة ليس استبدادا كما يصوره المخرج بل لفطنته و قدرته في تلك الفترة على حماية الأندلس...أما السيدة صبح و إن كان التاريخ يقر بأنها كانت مغنية إلا أنها و بعد دخولها قصر قرطبة وصفت بأنها غاية في التدين...و ليس كما صورها لنا هذا المسلسل...بأنها و محمد بن أبي عامر عاشقان يكتمان عشقهما خوفا من الخليفة الحكم...و أنها اختارت محمد بن أبي عامر لوكالتها و ابنها لأنها كانت تكتم حبه...و لقائهما في القصر و خلوتهما لا ريب فيها و لا شك بحكم مهنة محمد بن أبي عامر ، ثم إن الحاجب نقم عليها بعد وفاة الحكم و ذلك لرفضها انفراده بالحكم دون ولدها هشام...و لم أجد خلال بحثي في أخبار هذه الشخصية نقمة أظهرتها السيدة صبح على محمد بن أبي عامر أبدا و لا إنتقاما أبداه هذا الأخير منها بل وجدت أن الحاجب مشى في جنازتها لما ماتت و تصدق على قبرها ب 500 ألف دينار و هنا أقول هل هذا فعل حاقد أو مبغض..........؟
أما مناقب محمد بن أبي عامر فأكبر بكثير من أن تحتويها تدوينة صغيرة في هذه المدونة المتواضعة... و لكن يكفي أن أقول أن المنصور غزا بلاد الروم 56 غزوة كللت جميعها بالظفر ، و لما أصابت المجاعة بلاد الأندلس و جزءا من بلاد المغرب كان يتصدق كل يوم ب 22 ألف خبزة توزع على فقراء أهل قرطبة و من قصدهم...و قد كان مرضه الذي مات فيه في غزوة كانت آخر ما غزاه و هي غزوة بطريوش.......
و قد يقول قائل : قد عرفنا فضل المنصور محمد بن أبي عامر فماذا عن الجريمة ؟
هناك الكثير من النصوص القانونية التي تحمي الملكية الفكرية...و لم يعد المبدع ، المخترع أو المؤلف لأي فن من الفنون يخشى سرقة عمله أو إبداعه إذا قام بحمايته بإجراءات قانونية بسيطة ، أما المؤسسات المكلفة بالرقابة على الأعمال السينمائية و التلفزيونية فغالبا ما تحركها أسباب سياسية لرفض عمل ما ، و إن لم تكن كذلك فلأسباب أخلاقية إذا كان العمل يحتوي على مشاهد فاضحة ، و لكن لم أسمع بعمل تلفزيوني أو سينمائي رفض عرضه لأسباب تاريخية تتعلق بتشويه صورة رمز من الرموز التاريخية...و تتلخص فكرتي في صياغة مواد قانونية في قانون العقوبات و ليس القوانين الملحقة به! في الباب المخصص لجريمة الإساءة...تعنى هذه المواد بمعاقبة من يقوم بإخراج و كتابة نص عمل درامي يشوه صورة رمز من رموز أمتنا الإسلامية مع منع عرض هذا العمل إن كان قد تم إنجازه أو توقيف تصويره إن كان في مرحلة الإنجاز على أن يرجع في تحديد أهمية هذه الشخصية عند الإشتباه في ارتكاب الجريمة إلى لجنة خاصة تتكون من مؤرخين موثوق بنزاهتهم و مستواهم الأكاديمي ، و فقهاء مشهود بعلمهم ، و لا مانع من أن تتكون اللجنة من مخرجين لم يثبت عنهم إخراج أعمال خليعة و ذلك لاستشارتهم عما إذا كان المشهد الذي قام به المخرج ضروريا من الناحية الدرامية أم لا...ثم هل من الممكن من الناحية التقنية إستحداث جريمة درامية ؟
نعم...و يكون ذلك ببناء أركان للجريمة فالركن الشرعي هو في المادة التي ستعاقب على الفعل ، أما الركن المادي فهو السلوك الذي يقوم به المخرج و كاتب النص أو القصة و المتمثل في تشويه صورة الشخصية التي تناولاها في العمل ، و هو يختلف من عمل لآخر : لباس غير لائق تلبسه الشخصية مثلا...تصويرها في وضع مخل بالحياء...ففي مسلسل ربيع قرطبة مثلا لاحظت مشهدا لمحمد بن أبي عامر و هو يشرب الخمر .
أما الركن المعنوي فهو علم المخرج و كاتب النص بأن ما يفعلانه هو تشويه للشخصية و مع ذلك فقد أرادا القيام بالعمل و إخراجه للجمهور.........
ما فائدة كل هذا ؟؟؟
بتجريم الأعمال التي تشوه كبار الشخصيات في أمتنا العربية و الإسلامية نكون قد حافظنا على تاريخنا الذي يزخر بمثل هؤلاء العظماء و من خلال يمكننا غرس هذه القيم في الأجيال القادمة...و معاقبة كل من تسول له نفسه النيل منها أو الإنتقاص من قدرها
........دمتم بألف خير