المقامة الإجرامية

تعتبر المقامات من الألوان الأدبية الراقية...و المقامة هي عبارة عن قصة خيالية تروى على لسان راوية ، و قد قرأت شخصيا بعضا من مقامات بديع الزمان الهمذاني و الحريري و هذه عبارة عن مقامة صغيرة أرجوا أن تنال إعجابك عزيزي القارئ...
حدثنا مذنب ابن معتاد الجرمي قال : كنت ببلاد عرفت بالفساد أبغي بغيا سريعة الإنقياد من غير جهد في الإصطياد...فوقعت عيناي و أنا أسير في سوق انعدمت فيها النسوة على فتاة بربرية لم أتبين حينها أعربية هي أم فارسية...و أنساني حسنها ما كنت أريد فتتبعت خطواتها عن كثب و ذهب عني ما كان بي من التعب حتى دخلت واحدا من الدكاكين...فقلت تا الله إني من المساكين إذ لم أظفر بها في الحين...و كلما طال بها المقام اشتد بي الهيام حتى مر بي رجل ذميم الخلقة تحكي جوارحه ما كان منه في الماضي و قد أتعب إجرامه يدي القاضي...فقصصت عليه قصتي...ثم قال : يا ابن معتاد وافني بعد انصراف العباد إلى بطن الواد...واد بني سهاد...فهناك تميل الرؤوس بعد امتلاء الكؤوس...نغيب لنحضر و ننسى لنتذكر...علي أجد لوجدك حلا...فلما جن الليل و أسكن سكونه حوافر الخيل...و فاض بصبري الكيل قصدت ذاك الوادي فوجدت خلقا كثيرا و ما منهم من أحد إلا كان في أفضل أحواله سكيرا...و بينا أنا هناك إذ أقبل علي ذاك الرجل الذميم و دفع إلي بكأس و قال : ما تنطفئ نار العشق إلا بهذا...فقفلت منصرفا فأمسك بكاهلي و أشار إلى شيخ توسط الدائرة و نظراته من كثرة ما شرب حائرة...فقال الرجل الذميم : هو أبوها فالتمس إليه طريقا و كن معه في الخطاب رفيقا...فمددت إليه يدي مصافحا فجذبها و أجلسني حيث يجلس و سقاني...فقلت ليس من الشرب الليلة بد!!! فشربنا حتى ما بقي في المجلس غيرنا...و عندها قال لي : ما خطبك و ما تبغي ؟...فذكرت له منيتي و أطلت في رواية حكايتي...فقال : لن أزوجك إياها حتى نشرب معا ثلاث ليال حتى أتبين صلابة معدنك و ما خفي من سريرتك...فالخمر ينسي الهموم و يتكلم معه الكتوم...و ضيفني تلك الليلة و لم أدري كيف دخلت الدار...دار الحسناء ( ميار )...
و في الصباح أصابتني سهام عينيها...و سفكت دمي من غير عذر مباح...و أثرت بقلبي تلك الجراح...و لم تكن حينها تدري أني إياها أريد...و إني في غير جمالها ما كنت لأصيد...ثم أقبل أبوها و قد زالت عنه سكرته...و تغير لزوالها صوت نبرته فقال : ياغريب الدار من تكون ؟؟؟ و ما تريد ؟؟؟ فأعدت عليه طلبي و ذكرت له ما علا من نسبي فقال : أنت عندنا ضيف إلى أن يتجلى لنا ما خفي من ألوان الطيف ، و مضينا إلى سوق النحاسين فعلمت أنها صنعته...فبقيت معه زمنا يترصد نظراتي و يراقب حركاتي...ثم صاح بي : يا مذنب...ارجع إلى الدار فقد نسيت بها ما تدق به الدسر...فسرت حتى بلغت الباب فدققته حتى تعبت...ثم دفعته و ليتني ما دفعت...و لا في محنتي تلك وقعت...و جدت الفاسقة ( ميار ) تزني بإرادة و حرية في الإختيار...و لن أقول مع من حفظا للأسرار...و سترا لعورات تلك الدار...مع أني هنا قد زهدت في الأخبار...فقفلت لبلدي راجعا و قلبي من لوعته متوجعا و أنا أعتزم التوبة و السلامة في الأوبة