يهتم علم الإجرام بدراسة الأسباب التي دفعت بالمجرم للقيام بجريمته ، دون النظر إلى النتائج التي ترتبت عن القيام بها...فلا يهتم علم الإجرام بمتابعة الجاني و لا عقوبته بل يقوم بطرح سؤال واحد: ما الذي أدى بالجاني إلى إرتكاب فعلته؟
ومن بين النظريات التي جاء بها علم الإجرام ...نظرية تسمى القانون الحراري للجريمة ...
حيث يعتقد مؤسسوا هذه النظرية بأن حالة الطقس تؤثر في شخص المجرم فتدفعه إلى ارتكاب نوع معين من الجرائم دون الأنواع الأخرى حيث يعتقدون بأن الشخص الذي يعيش في مناطق باردة أو الذي يجد نفسه في جو بارد (خاصة في فصل الشتاء) ...يحتمل ارتكابه لجرائم الأموال كالسرقة و الإحتيال و النصب.....إلى غير ذالك
و السبب في رأيهم يرجع إلى أن من يعيش في مثل هذا الجو يحتاج إلى الكثير من الطعام...كما يحتاج إلى ملابس شتوية باهضة الثمن مما يحتم عليه اللجوء للسرقة إذا لم يجد مالا يكفيه لسد حاجاته !
أما من يسكنون في مناطق حارة ، أو من يجدون أنفسهم في جو حار(كفصل الصيف)...فيحتمل إرتكابهم لجرائم الأشخاص كالقتل و الضرب و الجرح ، لأن الحرارة الشديدة تزيد في انفعال الإنسان مما يجعله يثور لأتفه الأسباب...فيقوم بإيذاء من تشاجر معه ، و عن الجو المعتدل كما يكون عليه الحال عادة في فصل الربيع أو الخريف يقول أصحاب هذه النظرية أن الإنسان يميل لارتكاب جرائم العرض كالإغتصاب مثلا ، و ذالك لأن فصل الربيع هو فصل التكاثر بالنسبة لمعظم الكائنات الحية ، و بالتالي فإن الإنسان يجد فيه ميلا لممارسة الجنس...باعتبار أن الجو فيه يتسم بالرومانسية ، فيلجأ البعض لإشباع غرائزهم بطريقة غير مشروعة...و هناك نظرية روسية الأصل ابتكرت لمعرفة عدد الجرائم في منطقة معينة حيث يجمع متوسط درجة الحرارة لشهر معين مضروبا في سبعة مع درجة الرطوبة ثم يضرب الكل في إثنان.....و لكن هل هذا صحيح حقا؟
إن الإنسان يتأثر حتما بالمناخ الذي يعيش فيه من الناحية النفسية ، و لكن هذا لا يشكل دافعا للجريمة ، كما أنه من المستحيل التسليم بهذه النظرية...لأنه بالعودة إلى أرشيف الجرائم عبر التاريخ...سيجد أصحاب هذه النظرية أنفسهم عاجزين عن تفسير علاقة الجريمة بالمناخ ، و على سبيل المثال : لقد كان مونتاغ جون دروي و المعروف ب(جاك السفاح)...قاتلا محترفا و قد اتخذ من قتل المومسات هواية مفضلة... وكان ذالك في مدينة لندن ، و توفي هذا القاتل في سنة 1889
لقد كان هذا المجرم يرتكب جرائم القتل في كل أشهر السنة...فقد قتل في شهر أوت ماري نيكولا، ثم قام بقتل آني شايان و إيليزابيت ستريد في شهر سبتمبر، و في شهر نوفمبر قام بقتل ماري جون كيلي ، و في ديسمبر قتل أليس دوبي....فإذا حاولنا الإستناد للقانون الحراري للجريمة وجدناه لا يتناسب مع المعطيات المتوفرة حول هذا المجرم....فلو صحت هذه النظرية لكان جاك اكتفى بقتل ماري نيكولا،ولاغتصب كلا من آني شايان و إليزابيت ستريد بدلا من قتلهما باعتبار أن الجريمة وقعت في فصل الخريف ، ثم يقوم بسرقة آليس دوبي لأن الفصل الذي تمت فيه الجريمة كان بداية الشتاء ، و لكني أحب أن أشير عزيزي القارئ إلى أن هذه النظرية قد تصلح للمناقشة في طائفة الجرائم التي ترتبط ارتباطا وثيقا بنفسية المجرم كجريمة الإنتحار
فإذا كان المناخ فعلا سببا من أسباب الجريمة فعلينا التفكير بجدية في الرحيل إلى كوكب آخر غير كوكب الأرض...ربما وجدنا سنة بفصل خامس لا ترتكب فيه جرائم.
و أخيرا ألم تلاحظ عزيزي القارئ أن هناك وجها للشبه بين مونتاغ جون دروي و مدونتي؟؟؟
سأجنبك عناء البحث و أجيب: لقد كان جون يرتكب جرائمه في نهاية الأسبوع....و هو نفس التوقيت الذي أنشر فيه تدويناتي !!!