الجريمة المستحيلة............حكاية مجرم غبي !!!

يحكى أن رجلا بخيلا جمع ثروة طائلة...فعمد إلى صندوق عتيق فوضع فيه كل ما يملك من ذهب، و تحت جنح الظلام حمله إلى غابة قريبة فحفر حفرة عميقة...و دفن فيها الصندوق ، و لما فرغ من ذلك وضع لافتة كبيرة كتب عليها ( لا يوجد ذهب هنا )... و في الصباح مر أحد اللصوص بالمكان فرأى اللافتة...و حفر في ذلك الموضع فوجد الذهب و أخذه........و قبل مغادرة المكان ترك لافتة كتب عليها (لست أنا من سرق الذهب !!!) وذكر اسمه كاملا...
كانت هذه أحد النكت الصينية القديمة التي تبين غباء بعض المجرمين...و قد آثرت أن تكون بداية لموضوع الجريمة المستحيلة...و التي نعني بها عدم تمكن المجرم من تحقيق هدفه الإجرامي...و يعود ذلك إلى غياب الضحية أو عدم فعالية الأشياء التي استخدمها المجرم للقيام بجريمته ، و أقدم حكم قضائي في هذا الموضوع يعود إلى الثامن من شهر ديسمبر من سنة ألف و ثمان مئة و ثمان و أربعين....و قد صدر عن محكمة (أجون) الفرنسية...و تتلخص وقائع هذه القصة...في محاولة شاب يدعى (لورون) قتل والده....فوضع عيارات نارية في بندقيته تحسبا لقدوم الوالد....و لكن الأب وصل قبل الإبن...و تفحص البندقية ، فتفطن للخطة و نزع العيارات النارية منها.........و لما وصل الإبن.......حمل البندقية و صوبها باتجاه والده و ضغط على الزناد...
و تختلف الجريمة المستحيلة عن حالة أخرى مشابهة تسمى ( الجريمة الخائبة) ....و في هذه الأخيرة يقوم المجرم بكل الخطوات اللازمة لتحقق الجريمة...و لكنها لا تحدث لسبب خارج عن إرادته...فالفرق بينهما في نظري هو أن المجرم في الجريمة الخائبة...ذكي و ينفذ جريمته بذكاء...و لكنه سيء الحظ !!!...أما المجرم في الجريمة المستحيلة فهو إما غبي لا يعرف أبجديات الإجرام....أو لم يخطط لجريمته بدقة.........
و قد اختلف فقهاء القانون حول معاقبة مرتكب الجريمة المستحيلة بين مناد بضرورة عقابه و متسامح معه بحجة أن الجريمة لم تقع !...و بينهما رأي وسط قسم الإستحالة إلى قسمين:
قسم سمي الإستحالة المطلقة...ومعناه إستحالة تحقق ما أراده المجرم من خلال فعلته.....كأن تحاول امرأة تسميم زوجها بوضع مسحوق للتجميل في طعامه...أو محاولة شاب طعن آخربقطعة خشبية........أما القسم الثاني فسمي الإستحالة النسبية و هي تقترب كثيرا من صورة الجريمة الخائبة.......فاحتمال وقوع الجريمة فيها كان واردا.....و لم يتحقق بسبب سوء استعمال الوسيلة المخصصة للجريمة...أو عدم التخطيط لها بدقة....فقرروا معاقبة مرتكب الجريمة المستحيلة استحالة نسبية....و العفو عن مرتكب الجريمة المستحيلة استحالة مطلقة...كما قسم الفقيه ( غارو ) الإستحالة إلى مادية و قانونية...............غير أن التقسيم الأول هو الأدق في اعتقادي...
أما بالنسبة للعقوبة فأعتقد أنه لابد من معاقبة المجرم في حالة الجريمة المستحيلة...لأنه يخفي في قرارات نفسه مشاريع إجرامية... و إذا لم يعاقب على محاولاته الغبية تلك...فسيشجعه ذلك على القيام بمحاولات أخرى بحيث يكون أكثر حيطة و حذرا...كما سيتفادى أخطاء المحاولات السابقة ...لذا ستنجح محاولاته بالتأكيد ...
و في الأخير.......أعتقد أن موضوع الجريمة المستحيلة من أطرف مواضيع القسم العام من القانون الجزائي..........و ما عليك عزيزي القارئ سوى أن تلعب دور تاليي (و هي بنت من بنات جوبيتر في الأساطير القديمة ....كانت مشهورة بفن الكوميديا )...و تقوم بتخيل مواقف طريفة يمكن اعتبارها جرائم مستحيلة..........استمتع بذلك

11 التعليقات:

رشا يقول...

صرت أتذوق الشوكولا مع كل تدوينة :)
مرحبا يوسف
أظن أنه لا توجد جريمة مثالية مهما كان صاحبها عبقريا كما أظن أنه لا يوجد مجرم غبي بل مجرم أغفل تفاصيلا تحت وطأة الضغط النفسي أو كما قلت لم يخطط جيدا لجريمته (هذا ما تعلمته من مسلسل csi ههه)
قبل أيام أخبرنا الأستاذ أن القضاء لا يعاقب على جريمة لم تقع لأنه لا يحاكم النوايا بل الأفعال رغم أني اعترضت على ذلك لأني أسمع عن أحكام تتضمن جملة سبق الإصرار والترصد (تعتبر نية)
لست متأكدة مما ذكرته لكن الأكيد أني أتعلم منك أشياء جديدة في كل مرة
كل عام وأنت بخير ، وأنت متميز

ibrahim يقول...

معلومات قيمة واسلوب شيق

ibrahim يقول...

شكرا .جهد طيب

الشجرة الأم يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

في الحقيقة قصة اللافتة .. لفتت انتباهي إلى أن زمن هذه الجرائم قد ولى وانتى فالناس أصبحت ناصحة جدا وتتفنن في التلاعب بالغير، وأصبحت تلبس الجريمة بالشكولاته في كل مرة وتجعل غيرها يأكلها وهو لا يعلم أنها جريمة!!

سعدت كثيرا بهذه التدوينة زائدة الحلا

تحياتي لك وعام سعيد.

bossleader يقول...

السلام عليكم
أنا أرى أنه يجب معاقبة المجرم. سواء أكانت الجريمة المستحيلة مطلقة أو نسبية والعقوبة تكون أخف نوعا ما .كيف لا ونحن نعلم أن الظرف المشدد يعتبر جريمة فمن باب أولى فان الجريمة المستحيلة أشد لانه اجتمع فيها النية و الفعل.
مواضيع بعيدة عن رتابة القانون تجسد اللمسة الابداعية الفريدة
شكرا

بـــريـــ( ألـمـاس )ـــق يقول...

ذكرتني بالمحقق كونن :)

حتى انا عندي هالهوايه بس لازالت تحت الانقاض ..

لاني مامارستها او دعمتها بدراسه ..

شكراً لك اخي الكريم ..
مدونة رائعه خاصه اذا كانت بطعم الشكولاته .. :))

S.M.G يقول...

ماشاء الله
تصدق نستفيد منك ماشاء الله
موضوع مفيد وشيق صراحة ^^
شكرا لك عجبتني القصة الأولى << شكلي بسويها
هههه

marrokia يقول...

مممممممم
نصوصك جعلتنا نستسيغ الجريمة ، فنجدها شوكولاطة حلوة
هناك مواقف جد مضحكة لمجرمين أغبياء ، ذكرتني بفيلم ( غبي منو فيه ) ههههه
مدونتك فريدة ومميزة
سلاموووو

يوسف يقول...

السلام عليكم
أختي العزيزة/ رشا
أهلا أختي الفاضلة..........فعلا صدقت
لا توجد جريمة مثالية...لأن المجرم إنسان ولابد له من أن يخطئ في شيء ما....و لكن
هناك مجرم محترف و آخر مبتدئ...
أما بخصوص ما قاله أستاذناالفاضل...فإن القانون يعاقب عن الشروع في الجريمة و إن لم تتم...كمن يتسلق جدارا بقصد دخول منزل ما و سرقته...فتدركه الشرطة و هو فوق الجدار...هنا يعاقب عقوبة السارق.....و قد يعاقب على مرحلةالتحضير للجريمة أحيانارغم أنه لم يرتكبها...يحدث هذا خاصة في الجرائم الجمركية...ذكري أستاذنا الفاضل بهذه الجرائم الأخيرة و ستتضح له الرؤية.........
أما ظرف سبق الإصرار و ظرف الترصد فهي دروس بحد ذاتها...وقد ألهمني كلامك كتابة تدوينة بالموضوع....كل عام و أنت بخير
أشكرك على تشجيعك الدائم
بارك الله فيك...
أخي العزيز / إبراهيم
بارك الله فيك أخي الكريم.....أرجوا أن تنال المدونة إعجابك دائما...
أختي العزيزة / الشجرة الأم
و عليك السلام و رحمة الله و بركاته
فعلا........أنا من رأيك فالجرائم في تطور مستمر...و المجرم في وقتنا الحاضر أصبح شعلة من الذكاء...و ذالك بسبب تطور وسائل البحث و التحقيق......
و تلعب الأجهزة الحديثة دورا كبيرا في عملية متابعة المجرمين...مما جعل المجرم يحترف أساليب جديدة للإفلات...و أخرى لمحو آثار الجريمة
بارك الله فيك
أخي العزيز / leader
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
بداية أشكرك على تشجيعك.....
فعلا أنا من رأيك...فمحاولة ترجمة النية الإجرامية إلى نشاط....وحده كاف لمعاقبة المجرم.....بيد أن التشريعات حاليا...تعيش مرحلة صراع مرير مع المنظمات الحقوقية و الإنسانية...من أجل تخفيف العقوبات...و هذا لا يخدم المجتمعات في رأيي بقدر ما يشيع فيها الإجرام.........
بارك الله فيك
أختي العزيزة / بريق الماس
أشكرك على الإطراء........لم يفت الأوان بعد........تستطيعين الإهتمام بهوايتك و تحقيق ما ترغبين به...و إن احتجت شيئا ما......فأنا في الخدمة
بارك الله فيك
أخي العزيز/ SMG
أشكرك على تشجيعك.........أما عن القصة...فلا تحاول التجربة فلم تعد الغابات مكانا آمنا....فقد تتعرض بدورك للإختطاف.......حفظك الله
بارك الله فيك
أختي العزيزة / المغربية
أشكرك على الإطراء...كما أرجوا أن تعجبك مواضيع مدونتي دائما
بارك الله فيك

سليم يقول...

هنا في العالم العاشر و ليس الثالث كما يخدعوننا
تتواجد و بكثرة للجريمة المثالية ..
ليس لذكاء المجرم .. لكن لغباء المحققين ..

يوسف يقول...

أخي العزيز / سليم
.........فعلا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننكر أن دول العالم الثالث مازالت متأخرة...في مجال العلوم الجنائية...خاصة تلك المتعلقة بالتحقيق في الجرائم كعلم النفس الجنائي و الطب الشرعي...غير أنه لا يمكن وصف جميع المحققين في هذه الدول بالغباء...كما أن وجود مجرمين أذكياء هي حقيقة لابد من تصديقها...و يختلف ذالك حسب الزمان و المكان
بارك الله فيك