قصة يوهان...فلسفة لص ( الجزء الثاني )

كانت تربية يوهان الأولى مزيجا بين الصدفة و اللامبالاة ، نادرا ما كانت حفاظاته تتغير...أما الرضاعة فمن حسن حظه أن صراخه كان يسمع من كل المباني المجاورة لذالك المنزل الكئيب...و لأن ( إيفا ) العجوز كانت رحيمة رقيقة القلب ذات خبرة بالحياة...أدركت بسهولة بأن ( سنتيا ) الزوجة الثانية لن تعطف على يوهان أو تظهر أدنى اهتمام به إلا ليلا...ذالك أن والده سيعود حتما...لقد كان سكيرا لا يعود للبيت إلى مع طلوع الفجر...يتسلق درج العمارة بصعوبة...كان يقتات من كراء دكان ورثه عن أبيه...لم يبدي يوما اهتماما بيوهان...تغذيته أو لباسه...بينما كانت العجوز ( إيفا ) تتفقده في فترات متقطعة ، لقد رأت ( إيفا ) في يوهان إبنا رزقت به في آخر عمرها فتعلقت به إلى حد بعيد...و كان اسمها أول ما نطق به يوهان...كانت خطواته الأولى أمامها...ثم إن منزلها هو أول منزل دخله يوهان لما خرج لأول مرة ، إنه الآن في الخامسة...تعلم من ( إيفا ) الكتابة و القراءة بصعوبة بالغة...إن الحروف الأبجدية هي كل رصيدها العلمي بعد تجاوزها للعقد السابع من العمر...
في سن السادسة أصيب يوهان بحمى شديدة...لقد قضى ليلة كاملة و هو يهذي و يتقلب على أرضية الغرفة الباردة...إنها أرضية من إسمنت و رطوبة الغرفة عالية جدا...كاد يموت...و لكن أنينه لم يصل لأذني ( إيفا )...في الصباح تفطنت ( سنتيا ) لسكونه ، كان في غرفته المعزولة أشبه ما يكون بميت...وجه شاحب مصفر...و تشنج غريب لذراعه اليمنى...حاولت إيقاظه...ولكنه لم يستيقظ...نادت ( إيفا ) التي قامت بنقله لمستشفى قريب...و لكن الوقت كان قد مضى...لقد شلت يد ( يوهان )اليمنى...
تساقطت السنوات كأوراق الخريف و أصبحت ( إيفا ) شبه عاجزة ، و هنا شعر يوهان بأنه أمام مسؤوليتين كبيرتين...كان عليه الإعتماد على نفسه من جهة ، و الإعتناء ب ( إيفا ) من جهة أخرى فهي أمه التي لم تلده...إنه الآن في التاسعة من العمر....أنه يعتبر أن والده مجرد قصة نسجتها ( إيفا ) لتكفل للوالد قدرا من الإحترام في ذهن يوهان...لم يكن يرى في والده سوى رجل يقدس الخمر...و يحدث الكثير من الضجة كلما دخل المنزل...كان يتمنى أن يلتقي بهذا الوالد مرة واحدة و هو متمتع بكافة ملكاته العقلية...ليحدثه...فقط ليحدثه...كان يتمنى أن يدفعه لدخول المدرسة كما يفعل الآباء...و لكن...، أما ( سنتيا ) فلم تكن أبدا شرسة مع يوهان ، ليس في عنقه جميل قدمته له و لكنها لم تؤذه بكلمة...كان وضعها أشبه بعامة الناس الذين نلتقي بهم صدفة داخل قطار أو حافلة...غريب عنها و غريبة عنه ، هذه هي المسافة التي كانت بينهما...لم يحقد عليها أبدا لأنها تزوجت بوالده فقد أصبحت مثله في هذه المرحلة...لقد أفل نجمها و أضيفت كقطعة جديدة لأثاث بيت قديم!!! فهي تنال اليوم نصيبها من الإهمال...
لقد مرضت ( إيفا )...و شعر يوهان بأن عليه مساعدتها هذه المرة...فلم يبقى في بيتها شيء يمكن بيعه...كانت ليلة شتوية باردة...و لكنها لم تكن ممطرة...و في ساعة متأخرة من الليل عاد الوالد المهمل الذي لم أتكلف عناء إيجاد إسم له في القصة...كان ثملا كعادته...و بعد أن خطى خطوتين ثقيلتين بنجاح هوى على كرسي هش بزاوية المنزل...لقد أصبحت ( سنتيا ) تنتقم منه بطريقتها الخاصة...في أول زواجها كانت تجر جثته إلى الغرفة ثم تلقيه على السرير و تنزع له حذائه...أما الآن فصارت تتركه في المكان الذي يسقط فيه...و لن تخرج حتى من فراشها الذي استغرق وقتا ليصبح دافئا لتلفه ببطانية...إنها تضحية لم ترى ( إيفا ) أنه يستحقها ! كان يستيقظ ليجد نفسه ملقى في دورة المياه أحيانا...و في أحد أركان البيت أحيانا أخرى...لقد سمعت ( سنتيا ) صوته هذه الليلة و هو يتمتم...ثم يضحك...فعادت للنوم ...و هنا تقدم يوهان من والده...و مد يده اليسرى لمعطفه العتيق لم يجد شيئا في الجيب الأول...و كذالك كان الأمر بالنسبة للجيوب الأخرى...لقد أنفق جميع ما معه في تلك الحانة اللعينة ، وهنا تذكر يوهان ركنا بالخزانة كان الوالد كثير التردد إليه قبل الخروج كل ليلة...إنه الدرج...و لكن المشكلة أن ( سنتيا ) نائمة بداخل الغرفة...سحب يوهان الكرسي من تحت والده فسقط هذا الأخير أرضا...صرخ يوهان...خرجت ( سنتيا ) من الغرفة...لم تفهم ما حدث بالضبط...كان الوالد على الأرض...يتلفظ بعبارات غير مفهومة...و كانت تنبعث منه رائحة خمر قوية...و هي رائحة لا تشجع عاقلا على الإقتراب منه ! دخل يوهان الغرفة بسرعة...فتح الدرج السفلي... و أرسل يده اليسرى الصغيرة بين الثياب الداكنة اللون...لقد وجد أوراقا نقدية...لم يعرف قيمتها و لكنه أخذها...أغلق الدرج...و هنا دخلت ( سنتيا ) إليه لتستفسر عما حدث...فأجابها بسذاجة متعمدة أن أباه سقط أرضا فصرخ...كانت أول مرة ينطق بكلمة ( أبي )...تعجبت ( سنتيا ) و ضحكت...ثم أغلقت الباب في وجه يوهان و هي تقول : عندما تكبر ستسقط كل يوم بهذا الشكل مثل والدك !
كان والد يوهان أول ضحاياه...و إن كان يوهان خائفا من اكتشاف أمره و هو يسرق إلا أنه لم يكن يشعر بالذنب لأن ( إيفا ) كانت والدته و عائلته كلها ، وهي اليوم تحتاج إلى دواء و إلى طبيب يشخص مرضها...لم يكن يوهان يعرف أن السرقة جريمة...لم يكن يعرف أنها رذيلة أخلاقية...كما لم يكن يعرف بأنها معصية دينية...لم يعرف معنى أي من هذه المصطلحات...لأنه لم يعرف من التربية سوى الطعام و اللباس ! لقد اعتقدت ( إيفا ) بأن والد يوهان هو من أعطاه المال...لقد أقنعها يوهان بذالك...كانت أول مرة يكذب عليها ، و لم يخطر ببالها بأنه سرق...لطالما كان يلبس ما يجود به المحسنون من عائلتها...أو ما تشتريه له بعد أن تدخر من معاش زوجها قسطا يكفي لشراء ملابس مستعملة...كما أنه لم يعاني الجوع يوما...لم يكن له دافع للسرقة لأنه تعود الفقر...أو بمفهوم أكثر لباقة...كان الفقر جزءا من قدره منذ ولد ، و حتى لو عرفت ( إيفا ) الحقيقة ما كانت موعظتها لتترك أثرا في نفس يوهان لأن ما قال ( فيري ) في شأن الجريمة ينطبق على يوهان أكثر من غيره (...بطون جائعة تستلزم حتما آذانا صماء...)...لقد كان فيري عملاقا في علم الإجرام و لكنه لو عرف يوهان لأحبه...لأنه ببساطة سيرى بأن نظريته تجسدت في إنسان حي من لحم و دم...لقد نجحت أول عملية سرقة قام بها يوهان...لقد زادت ثقته بنفسه إنه يكتشف عالم الجريمة...لقد أدرك أن بوسعه كسب الكثير...لأول مرة يخالجه شعور بالإمتنان لوالده و ل ( سنتيا ) فبفضلهما اكتشف بأنه موهوب ، لقد اعتقد الوالد بأن ( سنتيا ) هي من سرق المال و لكنه التزم الصمت...و فضل مفاجأتها و هي تسرق !
و بعد يومين من الحادث كانت العجوز ( إيفا ) قد علمت بأنها تعاني من فقر في الدم...بعدما نقلها يوهان لطبيب بالمنطقة و اشترى لها بعض الأدوية...
لقد نفذ المال و على يوهان اختيار ضحية أخرى!!!
يتبع...دمتم بخير

2 التعليقات:

مغربية يقول...

تبدأ ببساطة
مع والده أو غيره
لكن السرقة لا تنتهي عند هذا الحد
مازلت أتابع ما سيحدث ليوهان
كنت هنا
سلاموووو

يوسف يقول...

السلام عليكم
أختي العزيزة / سناء
أشكرك على مرورك...أسعد جدا كلما رأيت تعليقك...أرجوا أن تعجبك بقية القصة
...بارك الله فيك