جريمة الإبادة الجماعية...هانز و اللعنة البولونية !

هانز فرنك Hans frank ...النازي الذي لقب بجلاد البولونيين بعدما نسبت إليه أبشع جرائم التطهير العرقي لليهود في بولونيا...التطهير العرقي...التصفية الجماعية...معاداة السامية...كلها تسميات مختلفة تطلق في محلها أحيانا و في غير محلها أحيانا أخرى لجريمة دولية واحدة ارتكبت منذ القدم من شعوب مختلفة و ترتكب اليوم و سترتكب حتى نهاية العالم...لأنه طالما وجدت أنظمة لتوفر الغطاء القانوني لهذه الجريمة و أنظمة متواطئة معها بسكوتها عنها فليس من الغريب تكرار مجازر بولونيا...
و قبل التطرق لأركان جريمة الإبادة الجماعية...هناك ركن إفتراضي ينبغي توفره و هو وجود جماعة مختلفة عن المجرمين الذين ارتكبوا الجريمة...قد تكون دينية أو عرقية...تعيش في إقليم واحد مع جماعة أو جماعات أخرى...فالشيعة و الدروز و السنة و الصوفية و الموارنة و الأقباط...جماعات دينية ، أما الأرمن و السلاف مثلا... فهي جماعات عرقية...باختصار لابد من وجود تجمع بشري متميز عن غيره . 
أما أركان الجريمة...فركنها الشرعي هو المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، و هي المرجعية القانونية في متابعة مرتكبي هذه الجريمة التي غالبا ما يكون مرتكبوها عسكريون!!!...أما الركن المادي فيتمثل في مجموعة من الأفعال التي يكفي إتيان واحد منها لقيام الركن الأساسي للجريمة...الفعل الأول هو قتل أفراد الجماعة ، أما الفعل الثاني فهو إلحاق ضرر جسدي أو عقلي بهم و يتحقق الضرر الجسدي بالإيذاء الشديد...أما الضرر العقلي فيتحقق بترويعهم ، أما الفعل الثالث فهو إخضاع هذه الجماعة لظروف معيشية صعبة كتسميم و تلويث مصادر المياه و قطع مصادر التغذية...منع دخول الأدوية لهذه الجماعة...أما الفعل الرابع فهو فرض تدابير منع الإنجاب من خلال تعقيم أفرادها أو إجبار الحوامل من النسوة على تناول أدوية منع الحمل أو حتى الإجهاض بالنسبة للمتقدمات منهن في مراحل الحمل...
أما الفعل الخامس فهو نقل أطفال هذه الجماعة جبرا إلى جماعات أخرى...هذا عن السلوكات المادية التي يمارسها المجرم أو المجرمون و التي تعتبر الركن المادي للجريمة...بيد أن لكل جريمة ركن معنوي ينبغي توفره و هو العلم بأن السلوك المرتكب ممنوع و مع ذلك الرغبة في القيام به ، و يتحقق الركن المعنوي في جريمة الإبادة الجماعية بعلم المجرم بأن السلوكات التي يقوم بها ستؤدي حتما إلى إهلاك الجماعة كلها أو جزء منها و مع ذلك يتعمد القيام بهذه السلوكات...فقتل أفراد الجماعة و منع الإنجاب يؤديان لهلاك هذه الطائفة ، و إلحاق الضرر الجسدي أو العقلي بها سيؤدي تدريجيا لتصفيتها...أما وضع الجماعة في ظروف معيشية صعبة فهو قتل تدريجي لهذه الأخيرة...و قد يثور بعض الإلتباس في ذهن القارئ بشأن الحالة الأخيرة و هي نقل أطفال الجماعة لجماعة أخرى عنوة...فلماذا اعتبر هذا الفعل إبادة؟؟؟ مع العلم أن نقل طفل إفريقي من دولة تعاني الفقر المدقع و المجاعة إلى بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا سيكفل له حتما ظروف معيشية أفضل بكثير من تلك الموجودة في بلده الأصلي...هنا أقول أنه عند نقل هذا الطفل سيلقن دينا آخر...لغة أخرى...ثقافة أخرى...و بعد سنوات سنجد رجلا مختلفا تماما عن شعبه الأصلي...رافضا لأي إنتماء إليه ، حيث كان من المفترض أن يكون فردا في شعبه الأصلي مناضلا في سبيل قضيته العادلة...و لكنه هنا أصبح في حكم الصفر عند شعبه...فنقله و هو صبي أشبه بتصفيته !
و مع هذه الأركان السالفة الذكر يجب توفر الركن الدولي للجريمة...
أعدم هانز فرنك بعد محاكمات نورنبورغ...و لكن التاريخ لا يرحم ، و بقي هانز وصمة عار في تاريخ الإنسانية...شبحا مخيفا لكل بولوني عاش في تلك الفترة...كم هانزا يعيش معنا اليوم في هذا العالم ؟... لا تختبروني بالعدد حتى لا أصاب بنوبة إكتئاب !!!  
   

0 التعليقات: