قـاضي التحقيق.....أميـر بلا إمـارة!!!


لا أدري بما يمكنني أن أشبه قاضي التحقيق لو كانت الشخصيات التي تتكون منها المحكمة قطعا من الشطرنج...و السبب في ذلك أنه يكون بمنزلة الملكة أحيانا و لكنه يتراجع ليصبح بيدقا أحيانا أخرى.
قاضي التحقيق هو قاض من قضاة الحكم أي أنه ليس عضوا من أعضاء النيابة ، وفكرة قاضي التحقيق هي فكرة فرنسية الأصل...ظهرت لأول مرة بموجب أمر ملكي سنة 1610
أما المهام التي يكلف بها عادة هذا الأخير فهي كثيرة جدا أكتفي بالإشارة إلى أهمها...فهو يحمل صفة المحقق و هنا يكون أقرب لرجال الشرطة منه إلى رجال القضاء فيعاين مسرح الجريمة ويبحث في الأدلة ويطلب الخبرة إذا تعلق الأمر بعيارات نارية أو ببصمات، كما يحمل صفة القاضي حيث يستجوب المتهمين و يوجه التهمة لمن يشتبه في ضلوعه في الجريمة ويسمع الشهود ،كما قد يواجه بين شاهد و متهم إذا تعارضت أقوالهما، وله صلاحية إيداع المتهم السجن في انتظار محاكمته
غير أن الإشكال الذي من أجله كتبت هذه الكلمات هو: هل يعتبر قاضي التحقيق مستقل بما فيه الكفاية لممارسة مهامه بنزاهة ودون ضغط ؟
باعتبار قاضي التحقيق من قضاة الحكم فهو مستقل من الناحية النظرية، لكن ما لا يعلمه العامة هو أن ممثل النيابة هو من يختار قاض من بين قضاة التحقيق ليباشر التحقيق في قضية ما ، كما أن قاضي التحقيق يعمل تحت إشراف رئيس غرفة الإتهام ، و تعتبر غرفة الإتهام الجهاز الذي يراقب هذا النوع من القضاة ...والمشتكى لمن يعاني من ظلم قاضي التحقيق
و من هنا فهو لا يستمتع باستقلالية قاضي الحكم...ومن هنا لم تبقى له فرصة سوى الحصول على بعض صلاحيات النيابة العامة لتعويض التهميش الذي يعاني منه بين زملاءه القضاة!!!!
إن قرارات النيابة العامة ليست مصيرية بالنسبة للمتهم فإذا حفظت الدعوى أمكن تحريكها بظهور أدلة جديدة كما أن دور هذه الأخيرة ينتهي باقتراح عقوبة مناسبة على المتهم ....و قاضي الحكم لا يعير هذا الإقتراح أية أهمية عادة
أما قرارات قاضي التحقيق فمصيرية إلى حد كبير فهو يستطيع سجن المتهم شهور قبل محاكمته...كما أن محاضره المدونة تشكل قلب الملف الذي بين يدي قاضي الحكم و لا يستطيع تجاهلها
لقد ألغي نظام قاضي التحقيق في ألمانيا سنة1975 وفي إيطاليا عام1990 و نقلت مهام التحقيق للنيابة العامة ، أما فرنسا مهد الفكرة...فقد قررت تقزيمه منذ سنة2000 باستحداث نوع آخر من القضاة و هو قاضي الحريات الذي أسندت له مهمة النظر في كل ما يتعلق بحرية المتهم ...وفكرة هذا القاضي جاءت بها الأستاذة الفرنسية ديلماس مارتي ، وأعتقد أن فرنسا ستتخلى عنه بشكل نهائي عما قريب
قاض التحقيق ...مهنة تحتاج إلى ذكاء و خبرة و إلمام بمجموعة من العلوم التقنية بالإضافة إلى سرعة البديهة و قوة الملاحظة غير أن عدم وجود مدار خاص يدور في فلكه... جعله أميرا تـائـها ،لا هو يجد إمارة فيحكمها و لا هو يتخلى عن لقبه كأمير .....

6 التعليقات:

Amna يقول...

أفكار فريدة
تدوينة مميزة أخي يوسف
معلومات جديدة بالنسبة لي ذات طابع تشويق رائع

دم بخير..

العابرة يقول...

مشكلة!
تعلمنا في ديننا " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته"!
لكن، المشكلة تكون في عدم تحمل المسؤوليات بكفاءة وعدم الأمانة، وتحوير بعض وقائع الأحداث نسبة إلى تشتت الرؤى والمؤسسات وتفرعاتها الكثيرة! "كثروا الطباخين فخربت الطبخة "
لست أفهم كثيرا في القانون.. لكن، شكرا لك على هذه المدونة..
بارك الله فيك :)
واصل يا أخي..

Anonymous يقول...

فكرة جميلة
استمر

يوسف يقول...

السلام عليكم
أختي العزيزة /آمنة
أشكرك على تشجيعك الدائم لي...سعدت جدا بمرورك...حفظك الله

أختي الفاضلة/ العابرة
أسعدني مرورك
تعليقك هو لب ما أردت قوله...فكثرة هيئات الإشراف في أي مؤسسة ينتج عنه حتما خلل في عمل هذه الأخيرة...بارك الله فيك
أخي الفاضل/غير معرف
شكرا لمرورك...أرجو أن تنال أفكاري إعجابك دائما

محفوظ يقول...

أهلا ..

يقال في هذا الصدد : أن النيابة العامة هي ولي أمر قاضي التحقيق . فبمقدورها أن تتدخل في كل ما يقوم به قاضي التحقيق . و هنا يظل هذا الأخير يملك استقلال وهمياً "



شكرا لك يوسف , مدونتك جميلة و مهمة .


كن بخير .

يوسف يقول...

أخي العزيز/ محفوظ
أسعدني مرورك جدا و شكرا على الإطراء