المحلفين....هواية أم مهنة؟؟؟

بداية أقدم أخلص التهاني لجميع قرائي الأعزاء بمناسبة عيد الأضحى المبارك ، كما أتمنى أن يعيده الله علينا بالخير و اليمن و البركات...ثم أعتذر عن غيابي عن التدوين فقد كان ذالك لأسباب صعب علي تجاوزها بسهولة، كما أود أن أهدي هذه التدوينة إلى أختي العزيزة أفلاطونية
تعتبر المحاكمة آخر مراحل الدعوى العمومية...فهي آخر مشهد من مشاهد المسرحية ليقرر قاضي الحكم : هل يستحق المتهم العقوبة أم لا؟
غير أن الملفت للنظر هو أن من يشارك في هذا القرار المهم أشخاص لا علاقة لهم بالقانون يسمون بالمحلفين
من الناحية التاريخية نظام المحلفين من ابتكار النورمانديين ، ظهر في بريطانيا سنة ألف وست و ستين ميلادية، حيث كان المحلفون يختارون من بين الفرسان الذين أدوا الخدمة ...و كان عددهم إثني عشر...ليقوموا بعدها بمهام تشبه إلى حد بعيد مهام قاضي التحقيق اليوم ، ويتولون التحقيق في القضية بكل حرية و يشاركون في تقرير الحكم، للإشارة فقط ...لم يكن هذا النظام وليد الصدفة بل جاء كرد فعل طبيعي على النظام المستبد الذي كانت تعيشه أوروبا آنذاك، فكانت الدولة عاجزة عن احتواء الإجرام ...كما كانت تمثل الإجرام في أحيان كثيرة وذالك عندما يقوم بالجريمة أحد الأشراف ، ثم انتشر نظام المحلفين شيئا فشيئا، إلا أن تمثيل المحلفين في المحاكم أكثر بالنسبة للدول التي تأخذ بالنظام الأنجلوساكسوني كالولايات المتحدة الأمريكية التي ذكرت المحلفين في المادة الثالثة فقرة ثانية من دستورألف وسبع مئة و سبع وثمانين :...و تتم معالجة جميع الجرائم ماعدا قضايا المحاكمات البرلمانية بواسطة المحلفين...، كما ذكرهم التعديل السابع للدستور الأمريكي سنة ألف وسبع مئة وواحد وتسعون :...للمتهم الحق في المحاكمة بواسطة المحلفين في الدعاوى المدنية...
إن المحلف هو شخص عادي لا يزاول أية مهنة قضائية يختار من بين من يرغبون في ممارسة هذه المهنة لمدة مؤقتة يشارك خلالها ضمن تشكيلة القضاة في الفصل في القضايا الجزائية غالبا.....فيدين و يبرئ...ويكون صوته بنفس قيمة صوت القاضي و المستشار خلال المداولات، لكن السؤال المطروح هو: هل الأشخاص العاديون مؤهلون لتقرير مصير المتهم؟؟؟
أعتقد أن أكبر عيب في إجراء المحاكمة هو وجود المحلفين ضمن هيئة الحكم لأسباب عديدة ، أولها أن هذا المحلف غير مختص فقد يكون نجارا أو حلاقا....و مع احترامي الشديد لكل هاته المهن النبيلة إلا أن القانون أكثر تعقيدا و خطورة من أن يتولى الحكم فيه شخص غير مختص لأنه سيكون عاطفيا إلى حد بعيد...خاصة إذا كانت مداخلة النائب العام شرسة ، أما السبب الثاني فهو أن بعض الدول تعاني من عدد المحلفين على مستوى المحاكم ، لأنه إذا تجاوز عدد المحلفين عدد القضاة و المستشارين فقد هؤلاء سلطتهم في إصدار الحكم ...ذالك أن لكل واحد في المداولة صوت ....أما إذا كان عددهم قليلا جدا، كان تمثيلهم في المحكمة مجرد ملء للكراسي ليس إلا ...و هنا تكون الدولة بين خيارين أحلاهما مر، غير أنه لابأس من اعتماد المحلفين ضمن هيئة تنفيذ الأحكام ، فيكونون شهودا عن تنفيذ الإعدام ...أو يعملون بالتنسيق مع قاضي تطبيق العقوبات في المؤسسات العقابية...فوجودهم هنا قد يبعث في المحكوم شعورا بالطمأنينة كما أنه يجنبنا المخاطرة بمرحلة مهمة كمرحلة المحاكمة التي تعتبر فرصة المتهم الأخيرة لإثبات برائته
ربما تكون قناعتي هذه نابعة من حبي للتخصص في كل شيء ....أذكر أنني قصدت مرب للعصافير عند اقتنائي لأول عصفور ليعلمني كل ما يتعلق بتربيته و لم أترك مجالا للتجربة أو الصدفة ، و عليه أعتقد أن حياة شخص أو حريته أهم بكثير من عصافيري....أليس كذالك؟

4 التعليقات:

معمر يقول...

عيد أضحى مبارك
لقد اضافت هذه التدوبنة معلومات جديدة لجعبتي يا يوسف، كما أنها زادت في قناعتي بأن أسلوبك في الطرح مميز..
واصل بارك الله فيك

محمود يقول...

أشكرك اخي يوسف على هذا الطرح الذي اعتبره تنويرا في حد ذاته.اذ كشف لنا ان مصير البشر في مجالات عدة وعلى راسها ساحات القضاء, على هذا الوصف يشبه كثيرا لعبة الدمى التي تتسلى بها معظم البنات في مرحلة الطفولة...؟؟؟

أفلاطونية يقول...

كل الشكر لكـ أخوي يوسف على أطروحة هذا الموضوع ، فلطالما كنت غير مقتنعة بنظام المحلفين وأستغرب كيف لدول عريقة مازالت تستعمل هذا النظام حتى يومنا هذا ، موضوعكـ زاد من اقتناعي أن المحلفين لا أساس لهم من الصحة في أن يصدروا حكماً بالبراءة أو بغيره على المتهم كونهم ليسوا أهل اختصاص!!

وفقكـ الله في الحصول على الماجستير والدكتوراة بالقانون

يوسف يقول...

السلام عليكم
أخي العزيز/ معمر
عيدك مبارك و كل عام و أنت بألف خير
أشكرك جزيل الشكر على تشجيعك الدائم
و أرجوا أن أكون عند حسن ظنك دائما
أخي العزيز/محمود
لك مني كل الشكر أخي محمود...أعجبني جدا وصف لعبة الدمى...أعتقد أنه مناسب جدا
أختي العزيزة /أفلاطونية
أشكرك جزيل الشكر على الدعاء...أشياء كثيرة تحدث في عالم القضاء غير مقنعة....أعتبر نفسي محظوظا جدا لأنك من قراء مدونتي أختي أفلاطونية
بارك الله فيك