قصة يوهان...فلسفة لص ( الجزء الخامس و الأخير )

بعد أشهر...أصبح يوهان مرافقا دائما للسيد ( ماكسيميليان )...و خلال هذه الفترة وجد يوهان صعوبة كبيرة في مقاومة رغبته بسرقته مع أنه كان يعلم علم اليقين بأن هذه المرحلة مهمة جدا في طمس معالم شخصيته الحقيقية...كان ينتظر إشارة معينة و هي أن يبدأ السيد ( ماكسيميليان ) بمعاملته كصديق...و قد كان يختبر هذا الشعور من خلال الغياب عنه لأيام...و لكن السيد الوقور لم يكن ليتنازل عن أرستوقراطيته و يسأل عن مرافقه المغمور !!!...غير أنه و في يوم ربيعي مشرق أخبر السيد ( ماكسيميليان ) يوهان بأنه يريد السفر لمدينة مجاورة...و سيقضي فيها بضعة أيام لعقد صفقة مع أحد كبار التجار فيها...كان يوهان ينتظر هذه الفرصة بفارغ الصبر ، سيكون على مقربة منه ، و سيقضي سهرات طوال على طاولة القمار...و مع بداية الرحلة تلقى يوهان مكافأة مالية من العجوز الغني...لقد مد يده لإمساك تلك الأوراق النقدية بطريقة غريبة...فبينما كانت يده اليسرى تسير ببطئ باتجاه يد السيد العجوز تذكر أول مرة سرق فيها مال أبيه...لعله أدرك الفرق بين المال النظيف الذي يتحصل عليه دون سطو...و المال الذي تعود على الإستيلاء عليه...لقد غمره شعور بالفرح و آخر بالذنب...شيء ما بداخله أخبره بأن باستطاعته أن يكون نظيفا...و لكن سرعان ما عاد للإعتقاد بأنه لن يكون إلا كما كان دوما...لقد قاوم الشعور الجديد حتى تلاشى...كانت الطريق طويلة...لقد وصلا إلى تلك المدينة الهادئة مع حلول الظلام و مع هذا أصر العجوز على الخروج من غرفته في الفندق...و الذهاب للعب ، كانت شهرته بأنه مقامر محترف قد جابت الآفاق...خرج السيد ( ماكسيميليان ) من الغرفة و تبعه يوهان...و لكن يده امتدت مرارا لجيوب من كانوا على الطاولة و حولها...و اختتم السهرة بسلب جزء من المال الذي كان السيد العجوز قد حصله تلك الليلة ، و قد اقتنع هذا الأخير في الصباح بأن من كانوا على الطاولة هم من سرقوه !...بعد أسبوعين عاد يوهان و السيد ( ماكسيميليان ) إلى المدينة ، و صار يوهان يغادر الطاولة بمجرد جلوس الشيخ الوقور عليها دفعا للشبهة ليعود مع نهاية كل سهرة لاصطحابه...و خلال تلك الفترة يقوم باقتناص ضحايا جدد داخل الملهى خاصة النساء اللواتي كن فريسة سهلة بالنسبة إليه...كان يساعد السيد العجوز على ركوب سيارته ثم يوصله للمنزل...و يختلس نصيبا وافرا مما تحصل عليه السيد العجوز خلال الليلة ، كان السيد ( ماكسيميليان ) لاعب ورق متمرس و لكنه و مع خبرته في اللعب كان خبيرا أيضا في إخفاء الورق في أماكن مختلفة من بدلته الأنيقة...و لم يكتشف أحد أمره خلال تلك السنوات...حتى يوهان لم يكن ليعرف ذالك...و في إحدى السهرات تمكن أحد المقامرين من ملاحظة حركة خاطفة من يد السيد (ماكسيميليان ) جذب فيها ورقة من أوراق اللعب من كمه...و قام بتحديه على الطاولة بأن لديه أوراقا يخفيها في كمه...و قد قام العجوز بجذب ورقة أخرى من الكم الآخر...غادر السيد العجوز السهرة مع بدايتها على غير العادة...كان السيد ( ماكسيميليان ) يعتقد بأن الأمر سينسى مع استيقاظ أولئك المقامرين السكارى في الصباح...و لكن سمعته كلاعب للقمار بدأت في الإضمحلال...و أصبح اللاعبون القدامى الذين لطالما جالسهم يتأففون من اللعب معه...و لم يجد سوى الخمر و النساء بديلا عن جلسات القمار...لم يكن السيد ( ماكسيميليان ) متزوجا في تلك الفترة...لقد طلق خمسة نساء خلال مراحل متقطعة من عمره...بينما توفيت واحدة في المخاض... ولم يحزن عليها طويلا... ثم بدأ في استقبال الغواني في منزله...كان يوهان يبيت معه في المنزل أحيانا...أما عندما يريد استقبال إحداهن فإنه يصرف يوهان بلباقة!!!
مع تقدم الرجل العجوز في السن أصبح لا يميز بين النساء...ثراء فاحش و نساء يردن المال...كان يستقبل كل من تدق بابه...و كانت الفاسقات من مختلف الأعمار و الطبقات يعرفنه... سواء كن شابات أو غير ذالك...و قد بلغت الوقاحة بإحدى الشابات بأن تهدد زوجها بإمضاء الليلة عند السيد ( ماكسيميليان) في حالة عدم تلبية طلبها !!!
و في إحدى الليالي و بعد أن تناول السيد ( ماكسيميليان) طعام العشاء صعد للطابق العلوي...و بعد ساعتين و بضع دقائق سمع يوهان صوت تكسر كأس زجاجي فأيقن بأن السيد العجوز قد بلغ ذروة سكره و بأنه سينام بعد لحظات...تمدد يوهان على الأريكة بغرفة الإستقبال في الطابق الأرضي...و هنا سمع طرقا على الباب...كان يعرف أن الطارق هو غانية من الغانيات...كان متعبا...و لقد تماطل في الإتجاه للباب لفتحه ظنا منه بأنها ستغادر...و لكنها واصلت الطرق بشكل أزعجه و هنا توجه للباب لفتحه...كانت الزائرة هي ( سنتيا ) !!!
و قد تعتقد عزيزي القارئ بأن ( سنتيا ) ستغادر المكان و هي ترتعد...أو أنها ستغادره و هي تبكي...و لكن هذا لم يحدث ، و بالمقابل و مع تحكم يوهان في تعابير وجهه كما أسلفنا...و لكنه لم يفلح هذه المرة من إخفاء صدمته...أسئلة كثيرة كانت تتزاحم داخل رأسه لتجد منفذا أو حلا على الأقل !!!منذ متى و ( سنتيا ) تخون والده ؟ ...لماذا ؟...لم يحب يوهان والده يوما و لكنه لم يتخيل بأنه سيقع في مثل هذا الموقف في يوم من الأيام...دفعت (سنتيا ) الباب بلطف...نزعت قفازيها... و طلبت من يوهان مناداة السيد ( ماكسيميليان )...أخبرها بأنه نائم...و لكنها لم تقتنع...الشيء الوحيد الذي لم يتغير في ( سنتيا ) مع تقدمها في السن هو أنها بقيت سليطة اللسان كما عرفها منذ طفولته!!! و مع حدة صوتها الذي يخيل لمن يسمعه بأنه يسمع احتكاك قطعتين من الزجاج السميك!!! نزل السيد العجوز بصعوبة...كان لا يقوى على حمل نفسه...و قبل وصوله إلى آخر السلم بادرته ( سنتيا ) و ساعدته على الصعود من جديد...و قبل دخولهما الغرفة نظرت إلى يوهان نظرة انتقام...و ابتسمت ابتسامة خبيثة تنم عن كره و حقد دفينين! و في تلك اللحظة قرر يوهان مغادرة منزل السيد (ماكسيميليان ) نهائيا...لقد شعر بالغيرة على والده...و قبل خروجه اقتنى كيسا كبيرا...حمل فيه ما خف وزنه و ثقل ثمنه مما رآه أمامه في الطابق الأرضي...نظر للمنزل نظرة أخيرة و مضى...، عاد يوهان لغرفته بقبو العمارة ، لم يجد للكيس مكانا فقام بوضعه في دورة المياه بعد أن أحكم إغلاقه!!!
كان يوهان قد ألف المشروبات الروحية خلال رفقته للسيد العجوز...و مع عودته للسرقة في الأسواق و المقابر كان يقضي ليله في الشرب...كان يقتني نفس المشروبات الفاخرة التي تعود عليها في الأيام الخوالي...مما جعل الكيس الذي سرقه ينفذ بعد أيام ...لقد باع كل ما فيه !!!
...مات السيد ( ماكسيميليان ) الذي لم يبحث عن يوهان أبدا منذ غادر منزله...و لعل ( سنتيا ) هي من أوغر صدره...و كنوع من الوفاء حضر يوهان مراسيم الجنازة...و سرق سيدين فيها...كان قد عرفهما خلال جلسات القمار...بل و سرقهما قبلا!!!
لقد تقدم يوهان بالسن...و أصبح شكله أشبه بشكل والده...لقد تحققت نبوءة ( سنتيا ) أخيرا !...أصبح يوهان مدمنا على الكحول و بدأت متاعبه الصحية تطفو على السطح...إنه الكبد...أصبح شعوره بالوحدة رفيقه الدائم...و في يوم من الأيام و أثناء تواجده في حديقة عامة لاحظ صبيا يلهو مع والده... كانت البراءة تشع من عيني الصبي... فتح يوهان ذراعيه للصبي صغير...تقدم الصبي من يوهان و لكن والده جذبه إليه في عنف...كان يوهان يتمنى أن يكون أبا أو زوجا على الأقل...و لكن !!!
و مع معاناته من مرض في كبده استمر يوهان في الشرب...إلى أن سقط يوما أمام مدخل العمارة...كان ذالك من حسن حظه على كل حال...لأنه لو مرض بغرفته المعزولة ما كان أحد ليتفطن لأمره...نقل للمستشفى...لقد أدرك أنها النهاية...و في ليلة مقمرة...شعر يوهان بساقيه و قد بردتا...كما شعر بوهن و عطش شديدين...مد يده إلى الجرس الذي كان خلف السرير و استدعى ممرضة المداومة الليلية...جاءت بخطى متثاقلة و كأنها تجر جملا خلفها! لقد طلب كوبا من الماء...و تمكنت يده التي مازالت رشيقة رغم الوهن الشديد من سرقة إسورة كانت بمعصم الممرضة...إنه يسرق و هو يموت !...شرب يوهان الكوب...و خرجت الممرضة..... قام بإخفاء الإسورة تحت وسادته...نظر يوهان نظرة طويلة للسقف و كأنه يودع هذا العالم...
و أخيرا مات يوهان...لقد أراح سطح الأرض من وزنه الخفيف..................................................................


4 التعليقات:

ليلى يقول...

رائعة
حقا (من شب على شيء شاب عليه)

مررت من هنا

يوسف يقول...

السلام عليكم
الفاضلة / ليلى
...مرحبا بوجودك........
أشكرك على زيارة مدونتي...سعيد جدا لأن القصة قد نالت إعجابك
كوني هنا دائما.......

مغربية يقول...

ومات يوهان
وماتت معه قصة انسان احترف السرقة من مهده للحد
للأسف لم يتعض يوهان
ومار مثلما عاش
بوزن خفيف :)


شكرا عالحكي المميز يا صاحب الشوكولاتة

يوسف يقول...

السلام عليكم
الفاضلة / سناء
...أشكرك على مرورك أختي الكريمة
سعيد جدالأن القصة قد نالت إعجابك...أرجو أن تنال باقي مواضيع مدونتي إعجابك دوما
بارك الله فيك