جريمة التحرش الجنسي...إلى ذكرى البريئة سيسيل !

بداية أتقدم بتحية تقدير إلى أختي الفاضلة و المدونة المتميزة المغربية على المبادرة التي تقدمت بها...و ذالك بعرض قصص حقيقية لأشخاص كانوا منذ وقت قريب ضحايا لهذه الجريمة النكراء التي تفشت في مجتمعاتنا بسبب غياب الوازع الديني و الأخلاقي...
إن جريمة التحرش الجنسي جريمة خفية...بمعنى أنها لا تظهر للعيان ما لم يبلغ عنها الضحية...فالمجرم يمارس ركنها المادي بسرية تامة ، و قد يدفع الخجل و الخوف من الفضيحة بالضحية لكتمان الأمر...و قد تنتهي القصة بمغادرة الضحية للمكان الذي يتواجد به المجرم كما قد تنتهي بجريمة أكثر بشاعة...فقد تتدرج جريمة التحرش الجنسي لتصبح فعلا مخلا بالحياء ثم هتكا للعرض ثم اغتصابا...بيد أن هذا التدرج قد يستغرق أياما...كما قد يتم في لحظات !!!
...و لجريمة التحرش الجنسي أركان شأنها شأن الجرائم الأخرى ، فأما ركنها الشرعي فيستمد من التشريع العقابي لكل دولة...حيث تفرد لها مادة أو مواد تعرف الفعل المحظور و تحدد العقوبة المناسبة له مع الإشارة إلى أن الجاني في هذه الجريمة قد يكون رجلا أو امرأة...كما أن الضحية أيضا قد تكون امرأة كما قد يكون رجلا !...هذا مهم جدا، أما هيكل الجريمة فيتكون من الركن المادي لها و هذا الأخير يحتاج لبعض التفصيل...إن محور الجرائم الجنسية عموما كلمة واحدة...و هي الفعل الجنسي ! و الفعل الجنسي هو كل سلوك ينتهجه المجرم بإرادته بهدف تحقيق المتعة الجنسية ، و قد يكون هذا الفعل جنسيا بطبيعته و لا يدع مجالا للشك في دلالته الجنسية كالقبلة الحارة على الشفتين بين شاب و فتاة بالغين !
كما قد يعتبر الفعل جنسيا إذا صاحبته ظروف معينة كملامسة فاحشة من شاب لفخذ فتاة إثر تدافع المسافرين لاقتناء تذكرة القطار...أما النوع الثالث فهو اعتبار الفعل جنسيا دون أن يتصل فيه المجرم بغيره ! و يكون على سبيل الدعوة لممارسة الرذيلة كمن يشير إلى عضوه التناسلي داخل مصعد كهربائي...و تواجدت في نفس المصعد فتاة !...و يمكن إدراج الركن المادي لجريمة التحرش الجنسي تحت النوع الثالث بيد أنه يكون سريا بين المجرم و الضحية ، و لتحقق الركن المادي ينبغي توافر جملة من الشروط ...حيث يجب أولا أن يستعمل المجرم مجموعة من الضغوط على الضحية...و تختلف هذه الضغوط حسب شخصية المجرم ، فقد يقوم هذا الأخير بتهديدها بالفصل من العمل ! أو باختطاف أحد أبنائها...و يشاع في الأوساط القانونية أنه يشترط أن يكون المجرم صاحب سلطة ما على الضحية...و هذا خاطئ...فقد تكون الضحية مجرد زبون للشركة ! كما قد تكون الضحية مديرة الشركة و المجرم موظف بنفس الشركة و يعمل تحت إشراف المديرة...كما أن هذا الشرط يشجع على تفشي الجريمة أكثر باعتبار أنه يخرج طائفة من النساء بل و حتى الرجال جورا من نطاق الحماية القانونية و هذا أبعد ما يكون عن العدالة !
أما الشرط الثاني فهو عدم ملامسة المجرم للضحية لأنه إذا تحققت الملامسة كنا أمام جريمة ثانية هي جريمة الفعل المخل بالحياء...و يقوم المجرم في جريمة التحرش الجنسي عادة باستعمال حركات وقحة قبل قيامه باستعمال أسلوب الضغط...كالموظفة التي تقوم بتمرير قطعة من الحلوى بين شفتيها و هي تنظر للضحية نظرة مستفزة...أو المدير الذي يسر بعبارات فاحشة في أذن إحدى الموظفات...كسؤالها عن اللون الذي تفضله عند اقتناء ملابسها الداخلية !!!
أما الشرط الثالث فهو أن يكون الهدف من وراء هذه الضغوط هو إجبار الضحية على إشباع رغبة جنسية معينة لدى المجرم...و تختلف هذه الرغبة الجنسية من شخص لآخر فقد يكون المجرم عنينا...و لا يريد من وراء تلك الضغوط سوى قبلة واحدة ! كما قد يكون شاذا جنسيا و هنا قد يريد من وراء تلك الضغوط الحصول على منديل شخصي أو وشاح لسكرتيرته ! ، كما قد يهدف المجرم العادي لمواقعة الضحية مواقعة كاملة....
أما الركن المعنوي لجريمة التحرش الجنسي و الذي ينبغي توفره لقيام الجريمة فهو أن يقصد المجرم من خلال السلوكات التي يقوم بها الحصول على مزية جنسية فعلا ! و من هنا لا يمكن اعتبار إعتراف من المدير لإحدى موظفاته بأنه يحبها تحرشا جنسيا...لأنه يعبر عن عاطفة صادقة بطريقة لائقة...كما أن الحب لابد له من اعتراف في مرحلة ما!!! و لا يمكن اعتبار إهداء الموظف لموظفة علبة من الشكولاته بمناسبة عيد الحب تحرشا!!!
إن المشكلة الكبرى في جريمة التحرش الجنسي تكمن في إثباتها...إذ يصعب على الضحية عادة إثبات التهديد خاصة إذا لم يكن مكتوبا...و هنا لا مناص من اللجوء إلى شهادة الشهود إن وجدوا...فقد تستعين الضحية هنا بصديقتها أو زميلتها في العمل كما قد تستعين برسائل إلكترونية في هاتفها المحمول كتبها لها المجرم...
و أنا أكتب هذا الموضوع تذكرت قصة لفتاة فرنسية بائسة في الخامسة عشر من العمر تدعى ( سيسيل )...تعرضت للإغتصاب ثم القتل من قبل راهب يدعى ( ليوتاد ) سنة 1848...و خلال جلسات المحاكمة تبين بأنها تعاني ضغوطا كبيرة من معلمها الذي كان يتحرش بها جنسيا...و قد تسبب هذا التحرش في وقوع خلافات بين المعلم و زوجته...و لكن الزوجة لم تبلغ عن زوجها ، أما ( سيسيل ) فأسرت بذالك لإحدى صديقاتها و التي نصحتها بالإبتعاد عنه...فأجابت ( سيسيل ) بأنها لا تملك الشجاعة الكافية لإخبار أمها و بأنها ستترك العمل عند هذا المعلم بمجرد إنهاء تدريبها...حكم على الراهب ( ليوتاد ) بالأشغال الشاقة المؤبدة لأنه اغتصب الفتاة ( سيسيل ) بوحشية ثم قتلها...أما معلم ( سيسيل ) فرغم ثبوت التحرش الجنسي في حقه بشهادة الشهود إلا أنه لم يعاقب قط...و قام فيما بعد بعرض مسرحية بعنوان : جريمة الأخ ليوتاد...و نسي جريمته النكراء في حق تلك البريئة سيسيل...
ملاحظة : للأمانة أولا و لتعميم الفائدة ثانية...قصة سيسيل مأخوذة من كتاب : أشهر المحاكمات في التاريخ لمؤلفه : قدري قلعجي

3 التعليقات:

مغربية يقول...

لا أعرف كيف أجد الكلمات المناسبة كي أعبر لك عن مدى سعادتي، أولا بترحابك بالفكرة وقبولك الكتابة عن التحرش الجنسي، وثانيا بكمية المعلومات القيمة التي استفدنا منها في هذا الموضوع الشيق جدا
بارك الله فيك أخي يوسف
فعلا ظاهرة التحرش الجنسي جد معقدة، ويمكن أحيانا أن تتطور لجرائم أخرى
ويبقى اثباتها أمرا يحتاج لشهود ومراحل عديدة :)
شكرا عالموضوع مجددا يا صاحب الشوكولاتة

غير معرف يقول...

موضوع حساس جداً يندر أن تستطيع المتحرش بها التحدث عنه. أنا أعرف ست فتيات أنا إحداهن تعرضن للتحرش بدءا من الملامسات فقط وبعضهن لاغتصاب كامل وكان ذلك في طفولتهن.. عدم معرفتهم بحقوقهن ولمن يشتكين يشكل مشكلة كبيرة. تبدأ البنت بمعرفه حقيقة ما حصل لها بعد عدة سنوات وفي الغالب يكون الصمت خوفاً من أن يعاقبن أو أن المتحرش أحد الأقارب فتخشى مما سحصل للعائلة بعد ذلك .

شكراً لتحدثك عن هذا الموضوع .

يوسف يقول...

السلام عليكم
أختي العزيزة/ المغربية
أولا لا شكر على واجب......
لن أجاملك أختي الفاضلة سناء إن قلت أنك واحدة من القلائل اللواتي يسعين من خلال كتاباتهن للمحافظة على الفضيلة و عليه فأنا سعيد أيما سعادة بالتعرف عليك و أنا مستعد أن أخدم هذه الرسالة العظيمة كلما استدعيت لذالك فلن أتأخر أبدا
بارك الله فيك
أخي العزيز / غير معرف
الخوف...هو السبب الرئيسي في فرار هؤلاء من العقاب........
بارك الله فيك