لحظة النطق بالحكم...اللحظة المكثفة !!!

الدراما...بقدر ما يستمتع المشاهد بتتبع اللقطة تلو الأخرى من العمل الدرامي بقدر ما تستوقفه مشاهد أراد لها المخرج أن تكون مؤثرة ...إنها اللحظة المكثفة ، و مثال ذلك لحظة الوداع بين عاشقين فرقتهما ظروف لم يقدرا على تجاوزها...فيقفان متقابلين و تعبث نسمات الخريف بشعرها و ربطة عنقه...تتساقط بعدها أوراق الخريف الصفراء بشدة...تمتلأ مقلتي الفتاة بالدموع...و لكنها تحاول أن تتماسك ، أما الشاب فيتنهد رافعا رأسه للسماء...تبدأ الخطوات حيث يدير كل منهما ظهره للآخر...ثم يلتفت الشاب لفتاته...ثم يعود للسير...ثم تلتفت هي...ثم يسيران معا و بعد بضع خطوات يلتفت كل منهما للآخر...إنها لوعة الفراق!!! و مع استخدام الموسيقى التصويرية الحزينة بآلات رقيقة كآلة الكمان يعيش المشاهد ثوان كأنها ساعات تشده إليها المؤثرات البصرية و الصوتية...إنها الدراما...
ما أريد الحديث عنه في هذه التدوينة هو اللحظة التي يصدر فيها القاضي الجزائي حكمه و ذلك من مختلف الزوايا...أي من وجهة نظر مختلف أطراف القضية...قاضي الحكم ، قاضي النيابة ، المحامي ، و أخيرا المتهم ...بطل المحاكمة ، و قد نال هذه البطولة ليس بسبب اقترافه للجريمة بالطبع! بل لأن تشكيل هذا الملف و تشكيل هذه المحكمة جاء للنظر في وقائع اشتبه في ارتكابه لها...
الكثير يتسائلون عن سر خفض القضاة لصوتهم داخل قاعة المحاكمة ! و السبب هو أن القاضي لما يقوم بخفض صوته فهو يزيد من وقاره من جهة ، كما أن الصوت المنخفض يدفع المحامين و الحضور بالقاعة لإلتزام الهدوء لأن الكل يرغب في سماع القاضي ، بيد أنه و لحظة النطق بالحكم لابد له أن يكون حازما و يظهر من خلال صوته الثقة و الإقتناع الذي توصل إليه .
أما قاضي النيابة و بعد أن اقترح العقوبة التي يراها مناسبة...و بحكم عمله الدائم مع قضاة الحكم فهو يتوقع مضمون الحكم ، و لهذا يتلقى هذا الحكم بهدوء لأن لديه الوقت الكافي لاستئنافه إذا لم ينل إعجابه...أما المحامي فيظهر الإنفعال كنوع من التمثيل ، فيغير تقاسيم وجهه لتبدو عليه المفاجأة إذا كان الحكم صادما للمتهم ، أما إذا نطق القاضي بالبراءة فإن المحامي يظهر الرضا و يكون آخر من يغادر قاعة المحاكمة لأنه سيحاول الظهور كبطل...و لعل البراءة التي تحصل عليها موكله تدفع بعض الحاضرين لتوكيله في قضايا لبعض أقربائهم !!!
و ما يقال عن محامي المتهم يصلح أن يقال عن محامي الضحية فهما سيان ، أما المتهم بطل الفيلم...فتختلف ردة فعله حسب عدة عوامل...أولها كونه قد اعتاد الإجرام من عدمه ، فمن تعود على الإجرام و كان مسبوقا...أي حكم عليه مرارا و سجن أعواما فيتلقى الحكم الجديد بأعصاب باردة لأنه قد اعتاد حياة السجون ، أما المجرمون المبتدئون فيظهر عليهم الإنفعال بل و حتى البكاء أحيانا...أما العامل الثاني فهو شخصية المتهم ، فقد يكون عاطفيا سريع التأثر و البكاء ، و قد يكون متماسكا لا تحركه أقوى الأحكام مع شدتها... وهناك المتهم المتغطرس الذي يسخر من القاضي عند نطقه بالحكم ، و ذلك عن طريق ابتسامة خبيثة أو التحية المبالغ فيها لشخص القاضي ، و من المتهمين من يحاول الإخلال بالنظام داخل جلسة المحاكمة بمجرد النطق بالحكم و ذلك بإثارة الفوضى بين الحضور خاصة عائلته إن وجدت داخل القاعة...و مع هذا تصلح لحظة النطق بالحكم لأن تكون لحظة مكثفة في مشهد درامي بديع على أنها قد تكون مفرحة للمتهم أحيانا و مأساوية في حقه أحيانا أخرى...مع تحياتي

0 التعليقات: