المقامة الإجرامية

تعتبر المقامات من الألوان الأدبية الراقية...و المقامة هي عبارة عن قصة خيالية تروى على لسان راوية ، و قد قرأت شخصيا بعضا من مقامات بديع الزمان الهمذاني و الحريري و هذه عبارة عن مقامة صغيرة أرجوا أن تنال إعجابك عزيزي القارئ...
حدثنا مذنب ابن معتاد الجرمي قال : كنت ببلاد عرفت بالفساد أبغي بغيا سريعة الإنقياد من غير جهد في الإصطياد...فوقعت عيناي و أنا أسير في سوق انعدمت فيها النسوة على فتاة بربرية لم أتبين حينها أعربية هي أم فارسية...و أنساني حسنها ما كنت أريد فتتبعت خطواتها عن كثب و ذهب عني ما كان بي من التعب حتى دخلت واحدا من الدكاكين...فقلت تا الله إني من المساكين إذ لم أظفر بها في الحين...و كلما طال بها المقام اشتد بي الهيام حتى مر بي رجل ذميم الخلقة تحكي جوارحه ما كان منه في الماضي و قد أتعب إجرامه يدي القاضي...فقصصت عليه قصتي...ثم قال : يا ابن معتاد وافني بعد انصراف العباد إلى بطن الواد...واد بني سهاد...فهناك تميل الرؤوس بعد امتلاء الكؤوس...نغيب لنحضر و ننسى لنتذكر...علي أجد لوجدك حلا...فلما جن الليل و أسكن سكونه حوافر الخيل...و فاض بصبري الكيل قصدت ذاك الوادي فوجدت خلقا كثيرا و ما منهم من أحد إلا كان في أفضل أحواله سكيرا...و بينا أنا هناك إذ أقبل علي ذاك الرجل الذميم و دفع إلي بكأس و قال : ما تنطفئ نار العشق إلا بهذا...فقفلت منصرفا فأمسك بكاهلي و أشار إلى شيخ توسط الدائرة و نظراته من كثرة ما شرب حائرة...فقال الرجل الذميم : هو أبوها فالتمس إليه طريقا و كن معه في الخطاب رفيقا...فمددت إليه يدي مصافحا فجذبها و أجلسني حيث يجلس و سقاني...فقلت ليس من الشرب الليلة بد!!! فشربنا حتى ما بقي في المجلس غيرنا...و عندها قال لي : ما خطبك و ما تبغي ؟...فذكرت له منيتي و أطلت في رواية حكايتي...فقال : لن أزوجك إياها حتى نشرب معا ثلاث ليال حتى أتبين صلابة معدنك و ما خفي من سريرتك...فالخمر ينسي الهموم و يتكلم معه الكتوم...و ضيفني تلك الليلة و لم أدري كيف دخلت الدار...دار الحسناء ( ميار )...
و في الصباح أصابتني سهام عينيها...و سفكت دمي من غير عذر مباح...و أثرت بقلبي تلك الجراح...و لم تكن حينها تدري أني إياها أريد...و إني في غير جمالها ما كنت لأصيد...ثم أقبل أبوها و قد زالت عنه سكرته...و تغير لزوالها صوت نبرته فقال : ياغريب الدار من تكون ؟؟؟ و ما تريد ؟؟؟ فأعدت عليه طلبي و ذكرت له ما علا من نسبي فقال : أنت عندنا ضيف إلى أن يتجلى لنا ما خفي من ألوان الطيف ، و مضينا إلى سوق النحاسين فعلمت أنها صنعته...فبقيت معه زمنا يترصد نظراتي و يراقب حركاتي...ثم صاح بي : يا مذنب...ارجع إلى الدار فقد نسيت بها ما تدق به الدسر...فسرت حتى بلغت الباب فدققته حتى تعبت...ثم دفعته و ليتني ما دفعت...و لا في محنتي تلك وقعت...و جدت الفاسقة ( ميار ) تزني بإرادة و حرية في الإختيار...و لن أقول مع من حفظا للأسرار...و سترا لعورات تلك الدار...مع أني هنا قد زهدت في الأخبار...فقفلت لبلدي راجعا و قلبي من لوعته متوجعا و أنا أعتزم التوبة و السلامة في الأوبة 

جنيف...سوريا...الحرب...دبلوماسية الكبار و أحلام الصغار !!!

...ليس من عادتي أن أكتب في السياسة ، و ربما لم تتعود علي عزيزي القارئ و أنا أكتب في هذا المجال...أتذكر جيدا و أنا مراهق كيف كان الحديث عن السياسة في بلدي أشبه بالحديث بالكفريات أو الميتافيزيقيا التي يعتبر الخوض فيها في ديننا الطريق الأقصر للكفر...كانت أوضاع بلدي سيئة للغاية...لم أكن أفهم الكثير...بل لم أكن أستوعب ما أسمع...كبرنا و كبر معنا حب الإستطلاع و الإكتشاف.....لنعد لموضوعنا...لم أكتب حتى الآن عن ما يدور في سوريا من جرائم...رغم أن مدونتي تعنى بذلك...كل الجرائم الدولية التي درستها تنطبق على الوضع في سوريا...و لكنني لا أحبذ البكاء على الأطلال لأن البكاء سيعطي الوقت الكافي للمعتدين ، و سيشعرهم بضعف الضحايا المعنوي...و الضحية في سوريا ليس السوريون فقط و إن كان هؤلاء هم من يتألمون بشكل مباشر....الضحية هو كل إنسان...أقصد البعد الروحي للكلمة...لا أميز فيها بين المسلم و المسيحي و اليهودي...و لابين الشيعي و السني و لا بين الرجل و المرأة...المشكلة في اعتقادي سياسية بحتة...أنا لست سوريا و بالتالي أفترض فيك عزيزي القارئ أن تكون أذكى من أن تعتبرني مواليا للنظام السوري أو المعارضة السورية أو غيرهما...!... أنا إنسان يعبر عما يراه و يلاحظه...فقط
الملاحظة الأولى هي أن أطراف الأزمة السوريين...غير جديين في البحث عن حل ، هذا ما جعل الفاعلين في مؤتمر جنيف يجدون المساحة الكافية للتلاعب بنتائجه...فعندما يرفض الإئتلاف السوري حضور إيران...و هي التي يعلم القاصي و الداني أنها متواجدة عسكريا في سوريا عن طريق حزب الله اللبناني و غيره....فهذا غباء ، النظام السوري نفسه و إن كان ممثلا بخيرة دبلوماسييه كوليد المعلم...ذو الخبرة الكبيرة و الباع الطويل في الدبلوماسية الخارجية...الذي يتفوه بما يريده من نتائج من المؤتمر...كمصير الرئيس السوري أعتبره بكل تواضع خطأ فادحا...لأنه نفر المعارضة من المؤتمر قبل بدايته...و الأجدى بطرفي الأزمة السورية  أن يتحلو بروح المسؤولية و يدركوا أن من يموت يوميا في سوريا هو سورييون و ليسوا من روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا...
الملاحظة الثانية هي أنني أعرف ككل متتبع لأخبار مؤتمر جنيف أن الملف السوري هو بمثابة الملف الأخير في علبة الأرشيف التي تحمل الكثير من الملفات العالقة بين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا الإتحادية...و الكل يلاحظ أن مع بداية مؤتمر جنيف التحركات الإقليمية التي لها علاقة إما بروسيا...أو إيران...مع بداية المؤتمر : إستيقظت فجأة بعد نوم خفيف الأزمة الأوكرانية و طفت على السطح  و المفاوضات حولها لها علاقة بمؤتمر جنيف لأن روسيا طرف فاعل فيه...و الولايات المتحدة ترغب في إقلاقها و انتزاع تنازلات مقابل تهدئة أوكرانيا ...الهدوء الذي تشهده اليمن و المؤتمر الذي انعقد...و الكل يعلم أن مثيري المشاكل في اليمن هم الحوثييون و يحسبون على إيران...الهدوء الذي عم فجأة الأنبار...و الكل كان يتوقع حربا طاحنة في العراق...الملف النووي الإيراني الذي ذكر فجأة و دفاع إيران عن حقها في تخصيب اليورانيوم...
الملاحظة الثالثة و الأخيرة هي أن الأزمة السورية كشفت عن دبلوماسيين كبار...شخصيا أنا معجب بالطريقة التي يدير بها وزير الخارجية الروسي الأزمة...لقد نجح في أكثر من مناسبة في تعطيل قرارات مجلس الأمن بشأن سوريا...كما ساهم بشكل بارز في تجنيب سوريا ضربة عسكرية أمريكية...بالمقابل شاهدنا دولا ضعيفة حاولت التطاول لكن صغر حجمها الدولي كاد يوردها المهالك فصمتت تجنبا للعواقب...تركيا مثلا حاولت مرارا أن تلعب دورا في الأزمة...و لكن ملفاتها الثقيلة حالت دون ذلك كملف إنضمامها للإتحاد الأوروبي...و تاريخها الأسود...و الكل يعلم...قطر التي حاولت...و لكنها أدركت أن أنها كانت مخطئة لما اعتقدت أنها غنية لدرجة يمكن بها شراء ذمم السياسيين الروسيين !...أما المملكة السعودية فهي التي سكتت دهرا ثم نطقت كفرا!!!
و في الأخير...أتألم حقا لرؤية إخوتي و أخواتي من السوريين الشرفاء يموتون كل يوم جوعا و تقتيلا...حلم الواحد منهم تمضية ليلة واحدة دون موت...دون جوع...بالمقابل يواصل بعض الإعلاميين السفلة سياسة التخوين...فما أصغر أحلام الضعفاء و ما أكبر أحلام الكبار...........................تحياتي   

التدوين......مجرم يرافع لصالح مجرم آخر !!!

لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن التدوين الذي كان يعتبر حتى وقت قريب مجرد هواية سيتحول إلى مهنة تستوجب المراقبة المستمرة    أعرف كما يعرف غيري أن الأفراد لا ينساقون آليا وراء ما يقرأون لأن دأب الكثير منهم هو القراءة من أجل تمضية الوقت...أو على الأقل هذا حال الكثير من القراء العرب...و بالنتيجة لا تشكل الأفكار التي يقرأونها في الجرائد أو المدونات دافعا للقيام بعمل ما يسيء إلى الدولة....المحاطة بهالة من التقنيين و الخبراء و الكفاءات التي تحول دون حدوث خلل ما حتى و إن سعى هذا الصحفي الجريء أو المدون الثائر لاستخدام كل ما تجود به قريحته من أفكار...فلن تعدو مجرد الأفكار التي قد تفيد شخصا ما في فهم ما يدور حوله ليس إلا ! .....إنها مقدمة طويلة لما أريد قوله و لكن أستسمحك عزيزي القارئ على ذلك ....السؤال الذي أردت مناقشته في هذه المساحة المعزولة التي أكثر قرائها من روسيا و الهند أو هذا ما أجده عند تصفح الإحصائيات....! هل يحق للمدون أن يكتب ما يشاء ؟
أنا أحترم حرية التعبير...لكني مؤمن أن الحرية هي طريق الشيطان....أي أن الصحفي أو المدون لا يمكن له الإحتجاج بالحرية لتدمير الدولة أو إثارة الفتنة....أنا مدون أكتب في مدونة متخصصة في الجانب الجزائي من القانون....لست راض تماما عن المنظومة القانونية في بلادنا العربية كلها في الجانب الجزائي ، و قد يقول قائل و هل اطلعت على كل التشريعات العربية ؟ أجيب أني لست راض على ما قرأته في كل تشريع أما ما لم أطلع عليه فعلمه عند ربي لا يضل ربي و لا ينسى.....، و لكني عندما أنتقد موقفا قانونيا معينا من مسألة ما لا أحرض من يطبق القانون أو المحامين على مقاطعة جلساتهم ، أو القيام بما يخالف القانون ، لقد أعدم سقراط ظلما و لكنه رفض فكرة بعض تلاميذه بشأن تهريبه من السجن احتراما للقانون رغم أنه كان مظلوما !....لا يحق للمدون أن يكتب ما يريد....و لكن المشكل ههنا هو تنظيم التدوين...لا يوجد تشريع خاص بالتدوين....و لا بأخلاقيات التدوين....هذه هي المشكلة...و السبب يعود إلى أن العالم مازال يعتبر أن التدوين مجرد هواية تمارس بعفوية....علينا التمييز بين من يكتب في مدونة تافهة...بحيث يعرض تدوينة جديدة كل خمس دقائق موضوعها تحميل أغنية جديدة لمغن معين أو فيديو كليب لأحدهم....و قد اكتشفت مؤخرا عدد من المدونات الغريبة التي تهدف بالدرجة الأولى للإغراء الجنسي....و تنشر مواضيع تقول أنها خلاصة أبحاث علمية ... من شاكلة : كيف تتعرف على المناطق المثيرة جنسيا لزوجتك ؟....ماذا يحب الرجل في جسد المرأة ؟ ما هو الوقت المناسب لممارسة الجنس ...؟؟؟ تدوينة كل ثلاث دقائق...فكرت بطريقة الشخص الساذج : ...صاحب هذه المدونة إما باحث لا يشق له غبار قد وهب وقته الثمين و أفنى عمره المديد في خدمة البحوث العلمية أو أنه شخص يستثمر في نزوات المراهقين العابرة لتحصيل نسبة مشاهدة أكبر....أما الصنف الآخر من المدونات فهي المدونات الجادة حتى و إن كانت تجارية....و هؤلاء أخاطب....أعجبتني فكرة لقاء يجمع المدونين في بعض الدول العربية...ما لم يعجبني في ذات الفكرة هو الطابع القومي للقاء مثلا : و اتفقنا على تدعيم المدونين الجدد في....( إسم الدولة ).....و مساعدتهم على التعريف بمدوناتهم ......أتمنى و أرحب بأي مدون عربي كان أو أجنبي يتقبل معي فكرة إنشاء تقنين أو تشريع أو على الأقل تنظيم مكتوب خاص بالتدوين بحيث يقيد فيه المدون المنظم إليه بقواعد خاصة تحفظ للتدوين مكانته و تجعله هواية محترمة و مهنة محترمة ....هذا وحده في اعتقادي من سيقصي أصحاب الكتابات المسيئة....هنا فقط يحق المدون أن يدافع عن كتابات مدون آخر أما أن ننشر صورا مسيئة أو نتهكم عن آخرين أو نقذف آخرين و نسبب آلاما لآخرين سواءا كنا مأجورين أو غير مأجورين باسم حرية التدوين أو حرية التعبير.....فهذا إساءة للحرية و مشي طويل في طريق الشيطان...لأن الحرية لم توجد لإيذاء الغير بل لتحرير الغير....دمتم أحبائي !!!

علبة شكولاته........مولود جديد !

...كتبت هذه التدوينة فقط لأعرفك عزيزي القارئ على مولود جديد...أو مدونتي الجديدة و التي اتفق أن أسميتها علبة شكولاته...لا أعرف كيف يمكنني تصنيفها...و لكني أعتبرها مدونة شخصية عاطفية...و لا تمت إلى الجريمة بصلة...هي مساحة للتعبير عما يشعر به الإنسان من عواطف صادقة...و التي أرجو أن تشاركني إياها...لطالما قلت عن زوار مدونة الجريمة و الشكولاته أنهم أهل البيت و ليسوا ضيوفا.......كذلك ستكونون في مدونتي الثانية فمرحبا بكم............

جريمة الإبادة الجماعية...هانز و اللعنة البولونية !

هانز فرنك Hans frank ...النازي الذي لقب بجلاد البولونيين بعدما نسبت إليه أبشع جرائم التطهير العرقي لليهود في بولونيا...التطهير العرقي...التصفية الجماعية...معاداة السامية...كلها تسميات مختلفة تطلق في محلها أحيانا و في غير محلها أحيانا أخرى لجريمة دولية واحدة ارتكبت منذ القدم من شعوب مختلفة و ترتكب اليوم و سترتكب حتى نهاية العالم...لأنه طالما وجدت أنظمة لتوفر الغطاء القانوني لهذه الجريمة و أنظمة متواطئة معها بسكوتها عنها فليس من الغريب تكرار مجازر بولونيا...
و قبل التطرق لأركان جريمة الإبادة الجماعية...هناك ركن إفتراضي ينبغي توفره و هو وجود جماعة مختلفة عن المجرمين الذين ارتكبوا الجريمة...قد تكون دينية أو عرقية...تعيش في إقليم واحد مع جماعة أو جماعات أخرى...فالشيعة و الدروز و السنة و الصوفية و الموارنة و الأقباط...جماعات دينية ، أما الأرمن و السلاف مثلا... فهي جماعات عرقية...باختصار لابد من وجود تجمع بشري متميز عن غيره . 
أما أركان الجريمة...فركنها الشرعي هو المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، و هي المرجعية القانونية في متابعة مرتكبي هذه الجريمة التي غالبا ما يكون مرتكبوها عسكريون!!!...أما الركن المادي فيتمثل في مجموعة من الأفعال التي يكفي إتيان واحد منها لقيام الركن الأساسي للجريمة...الفعل الأول هو قتل أفراد الجماعة ، أما الفعل الثاني فهو إلحاق ضرر جسدي أو عقلي بهم و يتحقق الضرر الجسدي بالإيذاء الشديد...أما الضرر العقلي فيتحقق بترويعهم ، أما الفعل الثالث فهو إخضاع هذه الجماعة لظروف معيشية صعبة كتسميم و تلويث مصادر المياه و قطع مصادر التغذية...منع دخول الأدوية لهذه الجماعة...أما الفعل الرابع فهو فرض تدابير منع الإنجاب من خلال تعقيم أفرادها أو إجبار الحوامل من النسوة على تناول أدوية منع الحمل أو حتى الإجهاض بالنسبة للمتقدمات منهن في مراحل الحمل...
أما الفعل الخامس فهو نقل أطفال هذه الجماعة جبرا إلى جماعات أخرى...هذا عن السلوكات المادية التي يمارسها المجرم أو المجرمون و التي تعتبر الركن المادي للجريمة...بيد أن لكل جريمة ركن معنوي ينبغي توفره و هو العلم بأن السلوك المرتكب ممنوع و مع ذلك الرغبة في القيام به ، و يتحقق الركن المعنوي في جريمة الإبادة الجماعية بعلم المجرم بأن السلوكات التي يقوم بها ستؤدي حتما إلى إهلاك الجماعة كلها أو جزء منها و مع ذلك يتعمد القيام بهذه السلوكات...فقتل أفراد الجماعة و منع الإنجاب يؤديان لهلاك هذه الطائفة ، و إلحاق الضرر الجسدي أو العقلي بها سيؤدي تدريجيا لتصفيتها...أما وضع الجماعة في ظروف معيشية صعبة فهو قتل تدريجي لهذه الأخيرة...و قد يثور بعض الإلتباس في ذهن القارئ بشأن الحالة الأخيرة و هي نقل أطفال الجماعة لجماعة أخرى عنوة...فلماذا اعتبر هذا الفعل إبادة؟؟؟ مع العلم أن نقل طفل إفريقي من دولة تعاني الفقر المدقع و المجاعة إلى بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا سيكفل له حتما ظروف معيشية أفضل بكثير من تلك الموجودة في بلده الأصلي...هنا أقول أنه عند نقل هذا الطفل سيلقن دينا آخر...لغة أخرى...ثقافة أخرى...و بعد سنوات سنجد رجلا مختلفا تماما عن شعبه الأصلي...رافضا لأي إنتماء إليه ، حيث كان من المفترض أن يكون فردا في شعبه الأصلي مناضلا في سبيل قضيته العادلة...و لكنه هنا أصبح في حكم الصفر عند شعبه...فنقله و هو صبي أشبه بتصفيته !
و مع هذه الأركان السالفة الذكر يجب توفر الركن الدولي للجريمة...
أعدم هانز فرنك بعد محاكمات نورنبورغ...و لكن التاريخ لا يرحم ، و بقي هانز وصمة عار في تاريخ الإنسانية...شبحا مخيفا لكل بولوني عاش في تلك الفترة...كم هانزا يعيش معنا اليوم في هذا العالم ؟... لا تختبروني بالعدد حتى لا أصاب بنوبة إكتئاب !!!  
   

الرجل العسكري و رجل القانون...الأستاذ سقراط !!!

...كان من المفروض أن اكتب هذه التدوينة منذ مدة...و لكنني تريثت حتى لا يعتبر ما سأكتبه ظرفيا...كما أنني خشيت أن أحسب على طائفة ما و هذا خاطئ...و قد يقول قارئ لهذه التدوينة : ما علاقة مدونتك المهجورة التي تعنى أساسا بالقسم الجزائي من القانون بالسياسة ؟ و هنا أجيبه بالقول أن مدونتي هذه مدونة قانونية بالدرجة الأولى...و هذه التدوينة بالذات هي مقاربة بين قيمتين : القانون و القوة !!! 
...لا أدري لماذا تذكرت فجأة و بعد أحداث مصر الأخيرة زمنا من الأزمنة الغابرة...و عهدا قديما من العهود السالفة...خلده المؤرخون الإسرائيليون في سفر...أسموه سفر القضاة و الذي يتكون من واحد و عشرين إصحاحا...و للتوضيح فقط هذا إسم السفر و العهد و ليس للقضاة كصفة أو مهنة علاقة بهذه المرحلة...و لكن ما وجه الشبه بين عهد القضاة في تاريخ بني إسرائيل و مصر اليوم ؟ 
الأمر بسيط...لقد ساد في ذلك الزمن الغابر الذي امتد طيلة مئتي سنة العصيان و التمرد و الفوضى و القتل...أما وجه الشبه الثاني فهو أن قيادة الشعب الإسرائيلي أو الدولة الإسرائيلية في تلك الفترة كانت لقادة عسكريين...عثنئيل بن قناز...اهود بن جيرا...شمجر بن عناة...جدعون بن يواش...أبيمالك بن يربعل...يفتاح الجلعادي....!!!
لا أريد إحصاء الدول المعاصرة التي تعيش إلى اليوم تحت قيادة عسكرية...على النقيض تماما دعونا نعد للدولة التي تعلمنا منها معاني التمدن و الحضارة...و أنظمة الحكم...تعلمنا منها معنى الديموقراطية و سلطة القانون...أثينا...المدينة الدولة...إنها سنة 399 قبل الميلاد...اليوم و الشهر لا أدري...و لكن الحدث هو محاكمة الفيلسوف سقراط....كان جميع سكان أثينا من الرجال الذين أتموا الخدمة العسكرية يشاركون في إدارة مدينتهم...أو دعنا نقل...دولتهم...كانوا يمثلون السلطات الثلاثة...القضائية و التنفيذية و التشريعية...لقد عرفوا معنى الديموقراطية قبل ولادة لوك و مونتيسكيو بقرون !!! و ربما لو كان مونتيسكيو حيا في تلك الفترة لكان أفسد بنظريته في فصل السلطات أثينا...و لتعرض للمحاكمة و العقوبة....لقد شارك 450 مواطن آثيني في محاكمة سقراط...و حكموا عليه بالإعدام...و قبل تنفيذ الحكم عرض تلاميذ سقراط عليه تهريبه من السجن...و لكنه رفض بشدة...لسبب بسيط و لكنه مقنع : لقد علمت الناس طوال حياتي احترام القانون...لا ينبغي لي أن أخالف القانون اليوم...علي إحترامه و إن بدى ظالما !!! 
لقد واجه سقراط محاكمة ظالمة...كما واجه الموت بشجاعة و شرب الكأس المسمومة كما يشرب أحدنا كوب الماء...فقط دفاعا على القانون...
القانون كالجنين...شهور حمله مضنية لوالدته...ولادته عسيرة...و لكن رؤيته مكتملا تنسي تعب المراحل السابقة و لا تظهر ثمراته إلا بتطبيقه...و قد قدر لرجال القانون أن يقضوا حياتهم و يفنوا أعمارهم في صياغة مواد تساهم في ترقية الشعوب...
أما الرجل العسكري...و إن كانت وظيفته تقتضي حماية الدولة و المساهمة في تطبيق القانون إلا أنه لا يرقى لدرجة تمكنه من تسييرها...فكل ميسر لما خلق له...فالقوة قيمة وجدت لتستعمل في مكان معين و زمن معين من شخص معين ضد شخص معين...أما القانون فهي قيمة مختلفة تماما...قيمة مدنية...تبحث بسلمية في أوساط المجتمع لتجد ما ينبغي تنظيمه...و تعود لصياغة مواد قانونية لتدارك النقائص و الثغرات...و لهذا فإن من الصفات التي ينبغي توافرها في الرجل العسكري القوة...حدة النظر...قوة التحمل...أما الصفات التي على رجل القانون أن يتحلى بها فتصب في وعاء واحد هو فهمه للبيئة التي سيسن لها القوانين و يطبقها فيها...و للحديث بقية...دمتم  

العلاقة بين القانون و الجنس..صراع بين أفروديت و تيميس! ( الجزء الأخير )

لقد اتفقنا أن الجنس غريزة من غرائز البقاء شأنه شأن الهواء الذي نستنشقه و الطعام الذي نتناوله...و لكن السؤال الذي لطالما راودني من خلال دراستي للجرائم الجنسية هو : لماذا يشترط القانون و كذا الدين أن يمارس الجنس بإرادة حرة ؟؟؟
و لكي تفهم مقصدي عزيزي القارئ تخيل أنك رجل بالغ في جزيرة معزولة ! و توجد في نفس الجزيرة فتاة رائعة الجمال...و كنتما تعيشان معا في الجزيرة لسنين طويلة...و ليس لكلاكما أي فرصة في الخروج من هذه الجزيرة و التواصل مع أناس آخرين...عرضت على هذه الفتاة الإرتباط فرفضت رفضا قاطعا...ما العمل ؟؟؟
حاولت دائما تشبيه هذه الحالة بحالة الطفل الصغير الذي يرفض تناول وجبات طعام متتالية...فلو ترك على حريته لأصيب بفقر في الدم أو أي مرض آخر...
و الإجابة في رأيي المتواضع هي أن الجنس هو الحرية المطلقة الوحيدة التي على المرء أن يقرر بمفرده ممارستها من عدمها ، و لا يمكن سؤاله عن سبب رفضه...لأن الفعل الجنسي مرتبط بعاطفة إنسانية أقوى بكثير من الإحساس الذي نحسه عندما نرى طبقا معينا من الطعام ! و لمعرفة كنه هذه العاطفة لابد من معرفة ماذا يريد الرجل من خلال ممارسته للجنس ؟ و ماذا تريد المرأة من خلال هذه الممارسة ؟...هذا أمر يطول شرحه...! 
لنعد لموضوعنا و هو الحرية في ممارسة الجنس...و يسمى الإكراه على ممارسة الجنس إما إغتصابا أو هتكا للعرض أو فعلا مخلا بالحياء ، و الفرق بسيط بين الجرائم الثلاثة...فأي ملامسة غير بريئة لأي عضو من أعضاء الأنثى أو الرجل يتحقق بها الركن المادي لجريمة الفعل المخل بالحياء...أما إذا كانت هذه الملامسة غير البريئة على عضو حساس من أعضاء أحد الجنسين...كالثدي بالنسبة للأنثى كانت الجريمة هنا هتكا للعرض...أما الإغتصاب فهو إدخال العضو الذكري في فرج الأنثى...و الغريب أن التشريعات العربية لا تفرق بين هذه الجرائم فمنها من يسمي الإغتصاب هتكا للعرض ، و منها من يجعل الأنثى فقط ضحية للفعل المخل بالحياء...مع أنه يمكن أن يكون الرجل ضحية لهذا الفعل أيضا!!! 
كان ( بان ) ذميم الخلقة...ذو وجه شيطاني بقرنين صغيرين و لحية موزعة بشكل عشوائي على وجهه القبيح...و مع شكله المخيف كان شديد الشبقية...عاشقا للنساء...و كانت الآلهة ( بومونا) إلهة أشجار الفاكهة مضرب المثل في الأناقة و الجاذبية...ممشوقة القوام...حلوة الإبتسامة...و قد عزفت عن الزواج...رغم أن ( فارتيموس ) أحبها حبا جنونيا...و في صباح ربيعي لمح القبيح بان الجميلة بومونا و هي تطوف حول شجرة تفاح كبيرة و تغني لها...لم يستطع بان تمالك نفسه...و أمسك بومونا من خاصرتها و حاول تقبيلها...صرخت بومونا بأعلى صوتها...و توافق أن سمعتها أفروديت...هنا هددت هذه الأخيرة بان بإخبار والدها بالأمر ، فترك بومونا و اختفى بين الحقول ! 
و في حديث نسائي بين أفروديت و تيميس أخبرتها بالحادثة...و هنا استنتجت تيميس أن الحرية مقترنة بالجنس...و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقترن العاطفة بالعنف...و قد اتفقت النسوة على هذه النقطة أخيرا و بلا مقاومة من أفروديت ! 
فالإغتصاب يكون حتما مقترنا بالعنف...كما قد يقترن الفعل المخل بالحياء و هتك العرض بالعنف أو المباغتة كأن يظهر الرجل أنه سيلمس شيئا ما ثم يلمس فخذ الضحية...
هنا لابد من إبراز مسألة مهمة و هي فلسفة فرنسية بدأت تشيع في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية...ففي فرنسا تستطيع المرأة المتزوجة منع زوجها من ممارسة العلاقة الجنسية معها بحجة أنها حرة...و أن الجنس ممارسة إرادية...و بعيدا عن الجدل القانوني في المسألة...أعتقد شخصيا أن الزوجة التي تمنع زوجها من معاشرتها مخطئة...و كان ينبغي لها اللجوء للخلع إذا كرهته...أما أن تمنعه من مضاجعتها فهذا يفتح أمامه و أمامها الباب على مصرعيه لممارسة الجنس مع آخرين مع الإبقاء على العلاقة الزوجية و هذا خاطئ !
تزوجت بومونا من فارتيموس...و حضر بان حفل زفافهما...و مع أنه لم يكن سعيدا بهذا الزواج إلا أنه حاول كتم غيضه و غيرته فهو مجبر على نسيان بومونا للأبد !...لم تروي أفروديت ما شاهدت لفارتيموس عملا بنصيحة تيميس...و يبدو أن تيميس أصبحت مقربة من أفروديت...قد يساهم هذا في تهذيب سلوكات أفروديت الطائشة...من يدري !!!