الرجل العسكري و رجل القانون...الأستاذ سقراط !!!

...كان من المفروض أن اكتب هذه التدوينة منذ مدة...و لكنني تريثت حتى لا يعتبر ما سأكتبه ظرفيا...كما أنني خشيت أن أحسب على طائفة ما و هذا خاطئ...و قد يقول قارئ لهذه التدوينة : ما علاقة مدونتك المهجورة التي تعنى أساسا بالقسم الجزائي من القانون بالسياسة ؟ و هنا أجيبه بالقول أن مدونتي هذه مدونة قانونية بالدرجة الأولى...و هذه التدوينة بالذات هي مقاربة بين قيمتين : القانون و القوة !!! 
...لا أدري لماذا تذكرت فجأة و بعد أحداث مصر الأخيرة زمنا من الأزمنة الغابرة...و عهدا قديما من العهود السالفة...خلده المؤرخون الإسرائيليون في سفر...أسموه سفر القضاة و الذي يتكون من واحد و عشرين إصحاحا...و للتوضيح فقط هذا إسم السفر و العهد و ليس للقضاة كصفة أو مهنة علاقة بهذه المرحلة...و لكن ما وجه الشبه بين عهد القضاة في تاريخ بني إسرائيل و مصر اليوم ؟ 
الأمر بسيط...لقد ساد في ذلك الزمن الغابر الذي امتد طيلة مئتي سنة العصيان و التمرد و الفوضى و القتل...أما وجه الشبه الثاني فهو أن قيادة الشعب الإسرائيلي أو الدولة الإسرائيلية في تلك الفترة كانت لقادة عسكريين...عثنئيل بن قناز...اهود بن جيرا...شمجر بن عناة...جدعون بن يواش...أبيمالك بن يربعل...يفتاح الجلعادي....!!!
لا أريد إحصاء الدول المعاصرة التي تعيش إلى اليوم تحت قيادة عسكرية...على النقيض تماما دعونا نعد للدولة التي تعلمنا منها معاني التمدن و الحضارة...و أنظمة الحكم...تعلمنا منها معنى الديموقراطية و سلطة القانون...أثينا...المدينة الدولة...إنها سنة 399 قبل الميلاد...اليوم و الشهر لا أدري...و لكن الحدث هو محاكمة الفيلسوف سقراط....كان جميع سكان أثينا من الرجال الذين أتموا الخدمة العسكرية يشاركون في إدارة مدينتهم...أو دعنا نقل...دولتهم...كانوا يمثلون السلطات الثلاثة...القضائية و التنفيذية و التشريعية...لقد عرفوا معنى الديموقراطية قبل ولادة لوك و مونتيسكيو بقرون !!! و ربما لو كان مونتيسكيو حيا في تلك الفترة لكان أفسد بنظريته في فصل السلطات أثينا...و لتعرض للمحاكمة و العقوبة....لقد شارك 450 مواطن آثيني في محاكمة سقراط...و حكموا عليه بالإعدام...و قبل تنفيذ الحكم عرض تلاميذ سقراط عليه تهريبه من السجن...و لكنه رفض بشدة...لسبب بسيط و لكنه مقنع : لقد علمت الناس طوال حياتي احترام القانون...لا ينبغي لي أن أخالف القانون اليوم...علي إحترامه و إن بدى ظالما !!! 
لقد واجه سقراط محاكمة ظالمة...كما واجه الموت بشجاعة و شرب الكأس المسمومة كما يشرب أحدنا كوب الماء...فقط دفاعا على القانون...
القانون كالجنين...شهور حمله مضنية لوالدته...ولادته عسيرة...و لكن رؤيته مكتملا تنسي تعب المراحل السابقة و لا تظهر ثمراته إلا بتطبيقه...و قد قدر لرجال القانون أن يقضوا حياتهم و يفنوا أعمارهم في صياغة مواد تساهم في ترقية الشعوب...
أما الرجل العسكري...و إن كانت وظيفته تقتضي حماية الدولة و المساهمة في تطبيق القانون إلا أنه لا يرقى لدرجة تمكنه من تسييرها...فكل ميسر لما خلق له...فالقوة قيمة وجدت لتستعمل في مكان معين و زمن معين من شخص معين ضد شخص معين...أما القانون فهي قيمة مختلفة تماما...قيمة مدنية...تبحث بسلمية في أوساط المجتمع لتجد ما ينبغي تنظيمه...و تعود لصياغة مواد قانونية لتدارك النقائص و الثغرات...و لهذا فإن من الصفات التي ينبغي توافرها في الرجل العسكري القوة...حدة النظر...قوة التحمل...أما الصفات التي على رجل القانون أن يتحلى بها فتصب في وعاء واحد هو فهمه للبيئة التي سيسن لها القوانين و يطبقها فيها...و للحديث بقية...دمتم  

1 التعليقات:

Mohammad يقول...

ما شاء الله, تدوينتان في يوم واحد بعد هذا الغياب, تطورات!!
في انتظار الجزء الثاني للتدوينة لأن الجزء الأول غامض بعض الشيء
دمت بود